الأغنية الأحوازية وفِرَقها الفنية الشعبية في الماضي القريب

by tone | 1 يونيو, 2014 10:45 م

454565456[1]

 

ان لكل شعوب العالم ثقافتها وفنونها وعاداتها وادبها وشعرها وفلكلورها وتراثها الحضاري بشكل عام، وهذا ما يميز الشعوب عن بعضها ويبين في نفس الوقت البناء الاجتماعي والفني والأدبي والشعبي لها في العهود الماضية. شعبنا الاحوازي وإن كان يرتبط بالأمة العربية ارتباطا تاريخيا وحضاريا وثيقا لكن هناك خصائص ثقافية وفنية وفلكلورية تميزه عن غيره من الشعوب العربية حيث هناك فرق بينه وبين الشعب العراقي كما بينه وبين الشعب العربي في سورية كما ان هناك فرق بين الفنون الشعبية العربية بين الشمال والجنوب حيث نرى ان المقام البغدادي لا يغنى بنفس الأداء في تونس مثلا وان كان هناك نوع من الغناء يسمى مقام.. ولا الموشحات الاندلسية تأتي ضمن الغناء الشعبي الكويتي أو الأحوازي وان لكل من هذه الشعوب المرتبطة بأمة واحدة حدودها الجغرافية الخاصة والتي أثرت بشكل أو بآخر على الثقافة والفنون بشكل عام حيث تستعمل آلة موسيقية في المغرب العربي بشكل لم تستعمل ضمن الموسيقى في الشرق العربي على الإطلاق.
في الأحواز ونظرا لهذه القاعدة العامة تختلف أنماط الفنون الشعبية في الموسيقى والغناء والطرب والرقص عنها في كافة الدول العربية إلا الجنوب العراقي الذي لا ينفصل جغرافيا ولا تاريخيا وحتى الأعوام الأخيرة عن الأحواز حيث كان المطربين (الريفيين) العراقيين يترددون على الأحواز لإحياء الحفلات والسهرات مثل ما يتردد المطربون الأحوازيون على الجنوب العراقي وكان الارتباط الفني الشعبي اوسع على الحدود العراقية – الاحوازية اذ كانت مجموعات فنية مشتركة تحيي السهرات على الجانبين من االحدود حيث لم تكن هناك موانع على الحدود حتى الحرب العالمية الثانية. والمعروف ان الكثيرمن المطربين العراقيين، احوازيين أصلا، اقاموا في العراق واثروا الغناء الريفي بفنهم.. منهم المطربين الريفيين يونس خلف وعبدالواحد جمعة.. ومنهم من اختاروا الإقامة الدائمة في العراق نظرا لوجود المناخ الفني المناسب(مثل البرامج الإذاعية الريفية) مثل المطربة “زهور حسين”.
ان المطربين الشعبيين الأحوازيين وبفرقهم الفنية اثروا الحياة الفنية في الحفلات والسهرات الشعبية معتمدين في شعرهم وادائهم وألحانهم ورقصاتهم على الروح الشعبية وكان لهم مواعيدهم في الأفراح والأعراس وأعياد الميلاد والطهارة( طهارة الطفل) وحتى عند عودة الحجاج من زيارة بيت الله. كان الفن الشعبي يختلف جزئيا بين الشرق والجنوب الأحوازي لكن بقي النمط العام هو النمط الاحوازي الخاص بمجموعاته وبطريقة أدائه وآلاته الموسيقية وكان له انتشارا واسعا في كافة نواحي الاحواز وكان للفنانين جماهيرهم وأنصارهم ،كما كان لكل مجموعة فنية أنصارها الخاصين من بين الشباب والمسنين أيضا والذين كانوا يتابعون سهراتها في القرى والمدن الاحوازية البعيدة والقريبة والتي كانت تقام في ليالي الجمعة عادة.. حيث ان العادات الاحوازية تشترط ان يكون العرس وحفلات الأفراح الأخرى في هذه الليلة.
أمتعوا الفنانون الشعبيون الأحوازيون وفرقهم(شداتهم) الفنية وكل في عصره الجماهير في الاحواز ردحا من الزمن وكانوا معتمدين على جمال الصوت وقدرة الأداء والتجول في شتى انواع الغناء الشعبي ومع استعمال الآلات الموسيقية بجدارة وإتقان دون أي دراسة علمية لكنها التجربة والموهبة والحس الموسيقي. كان عمدة الغناء لهذه الفرق الفينة هو “الابوذية” الريفي و” البستة ” وأضيف الى ذلك بعض “الموشحات “و”العلوانية” الحماسية أخيرا حيث لمعت بينهم نجوم في كل من هذه الأنواع من الغناء. ويجلس المطرب( المغني) في المكان المخصص ويجتمع حوله عازفي الآلات الموسيقية وعلى رأسها ًالطبلةً و ًالربابةً وًصنوج الراقصً. وكانت السهرات الصيفية تقام في الشارع العام وفي الربعات(امام المضيف) وتحت ضوء القمر وفي الشتاء في غرفة الضيافة(المضيف) والذي كانت عادة اكبر غرفة أو “صريفة” أو”بيت َشعَر” لدى العائلة المحتفلة وغالبا ما يقوم اثنين أو ثلاثة من نفس المجموعة الفنية أو غيرهم بعروض مسرحية كوميدية وساخرة قصيرة بين الفصل الغنائي والآخر. تبدأ الاحتفالات في الأعراس قبل ثلاثة ايام من ليلة العرس احيانا وتنتهي بليلة الجمعة( ليلة العرس) حيث تكون المجموعة الفنية بكامل عددها وعدتها ويستمر الطرب في هذه الليلة حتى تباشير الصباح. وكان بعض المطربين من “القارئين الحسينيين” وخاصة منهم مطربي احتفالات المولد النبوي وأعياد الميلاد.
يشدوا المطرب عادة على نغمات الربابة في “البوذية” و”الموال” وبمماشات مع الطبلة وعلى الطبلة في “البستة” وغناء الرقص مع مماشات من الربابة. وكان الراقصون رجالا عادة يرتدون اللباس النسائي بكل مكملاته من شعر ونهدين صناعيين و حِلي وغيرذلك وكان الكثير منهم يجيد الرقص العربي الشرقي المعروف علاوة على الرقص الشعبي. ولم تشارك المرأة الأحوازية هذه الحفلات.. الرجال حتى الان إلا في الحفلات النسائية التي تقام عادة متوازية مع الحفل الرجالي لكن في مكان محجوب عن عيون الرجال وفي بيت واحد في اكثر الحالات. وكانت النساء تأتي للتفرج في الحفلات هذه خلف صفوف الرجال دون ان يكون لهن حق الجلوس والمشاركة العملية ولم يتمكن الرجل من الدخول الى مجالس طرب النساء التي تكون “الكولة” عموده الفقري تلازمها آلت “الدف ” بالحان “خاصة بالكولة” مشدودة بضرب الكف لجميع النساء الحاضرات للحفل. وكان للنساء مطرباتهن ايضا حيث كان لديهن الصوت الجميل الذي يميزهن عن الرجال وكان للنساء غناء خاص في البيوت وعند العمل وخاصة عند “اليرش” و”الهاون”(عمليات تبييض الارز وتنظيفه من القشرة والسبوس) لكن ليس للنساء فرق فنية مشخصة للحفلات والسهرات.
ولابد من استثناء في ما جاء حيث كان يحدث ليلة العاشرة من محرم ( ليلة الحِي) حيث يرقصن النساء بطريقة خاصة ومثيرة وهن يدورن ويركضن راقصات في الشوارع ويرتدين اجمل الملابس و شعرهن يتطاير في الهواء منثورا دون أي حجاب، ويغرقن الشوارع بروائحهن وعطورهن ويهززن الرؤوس وينوحن ” هله يا عبد المولى” وبيد كل واحدة منهن جرس حديدي صغير يرن، يسمى “دْراغ”(من النوع الذي يعلق في رقبة الماعز او النعجة الآن) وفي نفس الليلة التي تكون ليلة سهر للجميع تأبينا لشهادة الامام الحسين واهل بيته يسهرالرجال والنساء(على انفراد) وخاصة الشباب على شكل مجموعات مع طبختهم الخاصة مجتمعين في بيت واحد. هذا وسيكون لنا معكم لقاء في نفس الموضوع مستقبلا.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/454565456.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/7254