القمم المزيّفة

by tone | 29 يوليو, 2014 7:16 م

 

26078love[1]

غابت شموسكِ أيّتها الرّاكضة مع ريح لم يبقَ في بطاقتها الشخصيّة سوى أنّها لاتشبه الرّيح، وانتهى الأمر بكِ إلى حقلٍ ذوت سنابله، وتسلّق الجراد على قصباتها، وتبعثرت أيّامكِ بلا فائدة.
لاشعرك منسرحاً ولامنضفراً يعيد ليعينيه صفاءهما وحنينهما، ولاكحلكِ المزيّف ولاعطركِ الخدّاع.‏
الجمر في ثغرك فقدَ سحره وألقه، إنّها البقايا المستهلكة التي لاتحرّك مشاعره، ولاتقلق سكينته، إنّه يشبه الشّطّ الغافي، لايفتح عينيه، ولايفرش ضلوعه وسادةً للأمواج مهما غضب البحر وتعالى هديره. رغباتكِ أتلفتْ ورودكِ، وحقلكِ هرمت أغصانه الوارفة. فغدت صُفراً لاماء فيها ولا خضرة ولا حياة ولاحياء.‏
مزّقتِ قصائده الوارفة ورميتها في حُفر الإهمال وكأنّ شِعره صار عاراً تهربين منه وهو الذي قلّد جيدكِ بالنّجوم، وعلّق على ضفائركِ خميلةً من الذّكريات.. أهكذا تنتقمين من شِعره؟!‏
لاتشعلي شموع جمالك فقد أكله الزّمن الذي توهمتِ أنه مُلك يمينكِ، فما عاد العاشق يبصر جمالاً ولاشموعاً.‏
لقد غدوتِ كتلك الأشياء الرّخيصة التي ترميها القافلة في طريقها، أنتِ كنصف بيتٍ من الشّعر ضاع نصفه الآخر.‏
ومرّة أخرى تنحنين لاكبرياء ولاتواضع وإنّما هي انحناءة الذلّ فتمدّين يديك مستجدية منه كما يستجدي الغروب الضّحى كي يمنحه شيئاً من الصّبا وكما يستجدي الأعمى، الأعمى كي يهبه عينين مبصرتين.‏
غدرتِ به، وأهنتِ قصّته معك حين نشرتها على الجدران وأوراق الشّجر والدّروب، وكأنّك تنتقمين منه لأنّه أحبّك كثيراً ووفى لك كثيراً وقدّس أنوثتك كثيراً وهو يملك الدّليل على إهانتكِ له وهو ذلك الغدر الذي يورق على أهدابكِ الجامدة.‏
بدّلت دربك فكثرت دروبك الموحلات، وتحسبين وأنت واهمة أنّ دروبه الخضر ستركض إليك حافيةً عاريةً ملوّحة بمناديلها تصرخ:‏
هاجئت إليك مستكينة مستسلمة فعودي إليّ.. وجهلتِ أنّ دروبه الخضر تصعد إلى الذّرا البعيدة وهي تردّد:‏
أما والذي أبكى وأضحك والذي‏
أمات وأحيا والذي أمرُهُ الأمرُ‏
هجرتكِ حتّى قيل: لايعرف الهوى وزرتكِ حتّى قيل: ليس له صبرُ، إنّه كسرَ أقداح النّشوة التي ملأتِها في الأياّم الغاربات، وأعلن عن صحوه بعد سكرٍ دام طويلاً، فلا خمر بعد اليوم يشربها من جرارك الآسنات، إنّه واقفٌ كالمئذنة التي لاتنحني، المئذنة الشّامخة التي تغزو السّماء كأنّها الصقر الجارح.. ثم ألا تعلمين أن الصقور تعفّ وتتّرفع عن بغاث الطّير؟‏
لن يشمّ زهراً يمنح رحيقه لمن يرغب، ويحكم على نفسه بالذّبول في أيدي العابرين العابثين.‏
تتصوّرينه تابعاً مطيعاً وهو غير ذلك، فإن كنتِ تحسبين نفسك نجمةً في الأقاصي البعيدة – وأنت غير ذلك- فهو قمرٌ يزهو على جيرانه بألقه وقلبه الكبير.‏
قيل له: بالأمس سمّيتهِ طللاً عتيقاً لاتمرّ به الغزالات إلّا شامتة ولا النّسائم إلّا مستنكرة ولا العصافير إلّا ساخرةً، سمّيتهِ طللاً نائماً منسيّاً في زوايا التّاريخ الآفل لاينبض فيه عِرْقٌ، ولايتدفّق في شرايينه دمٌ.. وبعد ذلك عدتِ إليه صاغرةً، وسألكِ عن سرّ رجوعكِ فصمتِ. وكان يعرف الأسرار.‏
سقط قناعك، ونسركِ نتفتْ جانحيه الأخطاء والخطايا.. هرمَ.. وماعاد يقوى على التّحليق.‏
فلا يرسُمنَّ خيالكِ القمم المزيّفة.‏
عن جريدة الفداء الحموية
الاثنين: 13-1-2014

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/26078love.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/7556