لمحة جديدة من حياة الفنان الكبير عزيز غنام

by tone | 30 يوليو, 2014 8:17 م

images[1]

لمحة جديدة من حياة الفنان الكبير عزيز غنام …أدهش بعزفه على آلة العود وعمره ثلاث سنوات وهجر دراسة الصيدلة للفن …. كان يصوم عن الطعام طوال فترة وضعه لحناً ما وطابق الألحان مع العروض الشعرية
يؤرخ صميم الشريف حياة الفنان الحلبي الكبير عزيز غنام بأنه من مواليد 1920 وفي مصادر أخرى يرد أنه من مواليد 1922 والصحيح كما يقول ابنه المحامي معتز غنام بأنه من مواليد عام 1919 لأن العادة جرت آنذاك
وربما ما زالت موجودة حتى اليوم أن يتأخر الأهل في تسجيل المواليد بعد فترة ، إذن هي معلومة جديدة نثبتها حول تاريخ ولادة عزيز غنام ، كما نلقي الضوء على جوانب من حياته غير معروفة للباحثين ننقلها عن ابنه المحامي معتز غنام الطفل المعجزة كان منير غنام هو الشقيق الأكبر لعزيز وهو من يتولى رعايته، وقد سافر منير لاسطنبول لدراسة الحقوق وأحضر معه هدية لأخيه الصغير ابن الثلاث سنوات هي عبارة عن آلة عود صغيرة مما يصلح للأطفال ، وكان ظن منير أنه احضر لعبة لطفل فإذا بذلك الطفل ما إن استلم اللعبة التي هي آلة عود صغير حتى بدأ يعزف عليها أنغاماً تقترب من قدرة الكبار ، وهو ما أدهش منير والأسرة وخاصة أن الطفل صار يوماً بعد يوم يظهر مهارات جديدة في العزف ، وقد اسمعه منير بعض الألحان التركية فإذا هو يعيد عزفها على آلته الصغيرة ، وكانت تلك رسالة مبكرة بأن هذا الطفل ولد ليكون فناناً، وقد رعاه أخوه منير في تنمية هذا الجانب الفطري فيه ، ولكن ضمن قرار صارم من قبل أسرة غنام بأن يكون ذلك من باب الهواية لا من باب الاحتراف ، إذ لم يكن من السهل آنذاك تقبل فكرة دخول عالم الفن ، وخاصة في أسرة عريقة رسمت أن يكون عزيز موظفاً أو عالماً ولم تبخل على إعداده لهذا الأمر، وبدوره لم يخيب ظن الأسرة فكان طالباً متفوقاً في المدارس التي درس فيها بحلب ،ومع دراسته كانت موهبته الفنية تفرض نفسها على الجميع فبدأ التلحين وهو في سن العاشرة من عمره وكان أكثر ما يلحن قصائد ينظمها شقيقه منير غنام ولكن ذاع صيته في حلب كطفل موهبة في عام 1935 عندما كان عمره /13/ سنة ففي ذلك العام وفي خضم النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي قام بتلحين قصيدة عنوانها (يا بني الأوطان) من شعر شقيقه منير وخلال احتفال أقيم في المدرسة الابتدائية التي كان يتعلم فيها صعد إلى المنبر وفاجأ الحضور بصوته الجميل وبلحن متميز للنشيد ونص النشيد هو الآتي : يا بني الأوطان سيروا لعلى هذا الوطن ولنعد مجداً قديماً كان فخراً للزمن وقبلها عندما كان عمره عشر سنوات في عام 1931 غنى (أغنية البلبل) والتي انتشرت انتشاراً واسعاً في حلب وغيرها من المدن السورية آنذاك وهي من شعر شقيقه منير ولحنها أحمد الأوبري على لحن العجم وغناها عزيز غنام ونصها ما يلي : بلبل غنى صباحاً وشكى يرسل الألحان من قلب حزين قلت مما تشكي يا بلبلي ولم تبك وما هذا النواح قفص من ذهب أنت به فيه ورد وزهور وأقاح كل ما تبغيه موجود به فاقض فيه العمر تيهاً وانشراح قال عيشي في نجاد وقفار مطلقاً حراً كما أشاء أطير هو أحلى من حياة في ديار ينقضي عمر الفتى فيها أسير فلأعش حراً عزيزاً أو أمت فنعم العيش بالذل أسير وكان من متفوقي مدرسة اللاييك التي حصل منها على الشهادة الثانوية ، وخلال هذه المراحل الدراسية حفظ علم العروض وأتقنه وعلوم التصريف والبلاغة . تفوقه في المدارس لم يمنعه عن متابعة شغفه بالفن ، فصار يلازم في أوقات فراغه كبار ملحني حلب آنذاك ولفتت موهبته نظر الفنان الكبير أحمد الأوبري فأولاه اهتماماً خاصاً وعلمه العزف المتقن على العود والطنبور واصول الموشحات ، وبالرغم من أنه كان طالباً فقد شهد له الاوبري بأنه أستاذ بارع في الفن ، وقد ذاعت شهرة ذلك الطالب ومهارته في العزف في أرجاء حلب ، وبدا أن الفن في حلب سيستدرجه إليه بعد تلك الشهرة المبكرة ، وهو مالم يرض آل غنام فضغطوا على أخيه منير ليمنعه من طريق الفن ، ووصل ببعضهم الأمر إلى تهديد عزيز بالقتل إن هو احترف الفن فلم يجد الأخ المتنور إلا اصطحاب أخيه الناجح في البكالوريا والتوجه به إلى بيروت وتسجيله في الجامعة اليسوعية ( أو الأمريكية ) باختصاص الصيدلة وتركه فيها بعد أن أمّن له كل مايلزم طالب العلم من إمكانات ، وعاد إلى حلب ليطمئن العائلة بأن عزيزاً يدرس الآن الصيدلة وهجر الفن وهو ما أراح الأسرة وأثلج صدور أفرادها . لافائدة .. لافائدة مضت ستة أشهر على وجود عزيز في كلية الصيدلة ببيروت عندما جاء هاتف من عميد الكلية إلى منير في حلب ليخبره بأن أخيه مبرّز في دراسته ولكن لافائدة ، فالفن مسيطر عليه ، فسافر منير من فوره لبيروت ليجد عزيزاً يرجوه أن يسمح له بالسفر إلى إيطاليا لدراسة الفن أو إلى مصر وهو ما حسمه الأخ بالرفض وبشدة مذكرا بقرار أسرة غنام ، فأذعن عزيز مرغماً ، وبعد فترة اعتقلت سلطات الاحتلال الفرنسي منير غنام باعتباره من رجال الثورة السورية ضد الفرنسيين وساقته لسجن في لبنان ، وأعتقد ( وهذا تخمين من عندي ) أن سجن منير قطع المورد المالي عن عزيز لإكمال دراسته في بيروت ، فسافر إلى مصر واجتمع مع كبار الملحنين والفنانين آنذاك أمثال السنباطي والقصبجي وزكريا أحمد ، وبسرعة حقق شهرة واسعة بينهم خاصة من ناحية عزفه الماهر على آلتي العود والنشأة كار ، وقد عرضوا عليه البقاء في مصر والتلحين للمطربة أم كلثوم، لكنه اعتذر مصمماً على العودة إلى حلب لمتابعة وضع سجن أخيه من جهة ولثقته بأن منبع الفن الأصيل هو في حلب ، وهكذا ترك الأبواب الواسعة التي فتحت له في مصر وعاد إلى مدينته حلب . حقيقة جديدة في حلب ذاعت شهرة عزيز غنام وصار من أعلام فنها آنذاك فقصده المطربون والمطربات ليلحن لهم ، وممن لحن لهم سحر ومها الجابري وصباح فخري الذي من ضمن الألحان التي غناها له حامل الهوى تعب ، وعن عملية التلحين يقول ابنه معتز غنام : – كان من الصعب أن يجلس للتلحين ، بل يسبق ذلك استماعه لصوت المطرب ، فإن وجد فيه نشازاً أمهله لمزيد من التدريب وتحسين صوته ، ثم يمضي وقتا في قراءة كلمات الأغنية التي سيلحنها ،ثم يجلس للتلحين بعد أن يكون قد استوعب صوت المطرب أو المطربة جيدا ومعاني ومضامين كلمات الأغنية ، وجلوسه للتلحين كان يشكل همّا غذائياً لنا نحن أفراد أسرته ، إذ طالما هو غارق في التلحين يصوم عن الطعام تماماً مكتفياً بشرب الماء ، وعندما كنا نسأله لماذا كان يجيب بعبارة « لأن البطنة تذهب الفطنة» وكان من المحرج لنا أن نأكل مالذ من الطعام وهو صائم فكنا نتحاشى الأكل أمامه مع أنه يكون غير منتبه كونه غارقا في عالم الألحان ، وربما طال وضع اللحن معه عشرة أيام ومع ذلك يبقى صائماً مصمماً على عدم الأكل إلا بعد الانتهاء من اللحن ، وهو ما كنا نعرفه عندما كان يدخل علينا مبتهجا منشرح الصدر ويقول : الآن آتوني بالطعام . عاشق العروض ومحيي التراث في مقال قديم عن عزيز غنام كتب الأستاذ «ممدوح الجابري» : لقد تعمق عزيز غنام في علم العروض حتى أصبح في بحوره بحراً، وفي علم الإيقاع حتى أصبح فيه حجة، وخاصة الإيقاعات العرجاء، التي تتسم بها الموشحات العربية، ولطالما كان يهابه الضاربون على الإيقاع لما يبتكره من أوزان جديدة في الموسيقا العربية، لم تطرق أسماعهم من قبل…». وفي دراسة للأستاذ صميم الشريف يقول : إن الفنان عزيز غنام كان واحداً من أبرز العازفين على العود في الوطن العربي، فهو كالفنان محمد عبد الكريم، نأى بفنه عن البهلوانيات في العزف، وتفرد بأسلوب خاص به، حوَّل معه آلة العود الضعيفة الشأن، إلى آلة ذات إمكانات وخصائص يصح معها القول إنها خصائص غنامية نسبة لعزيز غنام بالذات، وإذا نحن حاولنا تحري أسلوبه المتفرد في العزف لوجدناه، لا يلجأ إلى الطريقة المعروفة بالتقاسيم في الارتجال. وإنما يترك خياله المجنح، يجنح به إلى نوع من العزف الارتجالي تصح تسميته بالاصطلاح الغربي صولو ـ solo»، فيبتعد به كثيراً عن التقاسيم المتعارف عليها رغم استخدامه للمقامات الشرقية، ومقترباً غاية القرب من الأسلوب الغربي صولو دون أن يجمع الأسلوبين، في أسلوب واحد، بل يظل وسطاً ويقول عنه أيضا: وكأنه يكرس العلم الذي يعرف، لابتكار أسلوب جديد في العزف يدعو من خلاله عازفي العود الكبير، والعود الصغير (نشأة كار) على حد سواء للاقتداء به، وذلك لأن اللغة التي تحدث بها من وراء عزفه كانت لغة عربية أصيلة. التقاسيم عند عزيز غنام ليست مجرد تجول في المقامات الموسيقية للتدليل على فهمه واستيعابه لها، وإنما في إبداع أجواء ساحرة، يعتمد فيها على الأفكار الموسيقية التي يرتجلها وكأنها مؤلفات كتبت مسبقاً. والمستمع لعزفه يظن للوهلة الأولى أنه يعزف على آلة الغيتار، وأن الريشة التي يستخدمها، هي الأنامل التي تجري على أوتار الغيتار. حقق عزيز غنام كمّا كبيرا من الأعمال التراثية وقام بتدوينها خاصة الموشحات والقدود وإلى جانب اهتمامه بأعمال التراث الغنائية، اهتم بأعمال التراث الموسيقية، وقد سجل عدداً كبيراً من البشارف والسماعيات واللونغا، وعمر بعضها الزمني كلونغا سبوخ أفندي» يزيد على المئة عام. كذلك اهتم بالغناء الحديث فأولى عنايته للمونولوغ والديالوغ، والأغنية الراقصة. وفي كل هذه الأنواع لم يلحن سوى الشعر بنوعيه التقليدي الذي لم ينظم أصلاً بهدف الغناء، والشعر الغنائي، وقلة لا تذكر من الزجليات، وكان أحد اشتغالاته ينصب على تطوير الأغنيات الشعبية التي لايعرف لها مؤلف أو ملحن ، كما قام بتطوير آلة النشأة كار ووضع الموسيقا التصويرية لعد مسلسلات سورية أيام الأبيض والأسود . وبعد ضمن مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء عمل عزيز غنام في إذاعة حلب الأولى خلال الاحتلال الفرنسي ثم عمل في إذاعة حلب الوطنية بعد الاستقلال ورعى العديد من المواهب في الموسيقا والغناء مثل إبراهيم جودت وسمير حلمي ، وفي عام /1960/ ومع بدء الإرسال التلفزيوني انتقل غنام إلى دمشق وأصبح أحد المشرفين في دائرة الموسيقا للإذاعة والتلفزيون تولى خلالها الإشراف على العديد من البرامج الموسيقية والمسلسلات التلفزيونية ومنها مسلسل الوادي الكبير الذي جمع صباح فخري ووردة الجزائرية واستمر بعمله في دائرة الموسيقا حتى وفاته عام /1978/. وقد أصدرت دار الأسد للموسيقا والفنون أسطوانة لمعزوفات عزيز غنام ضمن تكريمها له ، ولكن هذا لايكفي، إذ يجب العودة إلى أرشيف إذاعتي دمشق وحلب والبحث عن إرثه الفني الموزع فيهما وإعادة تسجيله بشكل يحميه من الاندثار مما سيعني اندثار كنز فني كبير لفنان حلبي كبير. المصادر: – صميم الشريف- أعلام الموسيقا وزارة الثقافة في دمشق – عبدالرحمن حمادي جريدة الجماهير26 -5-2009 – الكراس الصادر عن مهرجان الأغنية الثامن
– حوار مع المحامي معتز غنام نجل الفنان عزيز غنام .‏
عن جريدةالجماهير الحلبية
الخميس 12-7-2012

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/images29.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/7599