الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

المجتمعات الاستهلاكية…!

6464646444

 

 

كثيرا ما نسمع أن مجتمعاتنتا هي مجتمعات استهلاكية في اشارة الى نظام اجتماعي و اقتصادي يحفز عملية شراء السلع و البضائع و الاستفادة من الخدمات بكميات أكبر عن الحاجة من أي وقت سبق فكثيرا ما نجد أنفسنا و من دون أن نشعر نقوم بشراء سلع ضرورية أو كمالية على حد سواء لو شاهدنا الجيل السابق نشتريها لاتهمنا بالاسراف و “البطر”.فما سر نشوء هذه الظاهرة و ما هي مسبباتها و لمصلحة من تسير و ما هو تأثيرها على العادات و العلاقات الاجتماعية بكافة أنواعها و هل هي يا ترى ظاهرة طبيعية أم لا و هل هي محصورة في مجتمع معين أم أنها ظاهرة تسود الشعوب بأسرها…؟!
لا يخفى على أحد بالطبع أننا نعيش في ظل نظام عالمي تسوده نظريات السوق الحر التي هي أهم معالم الرأسمالية و سوادها على الفكر الاشتراكي “و لو بشكل نسبي يختلف من بلد لاخر” و التي يجاهر مسوقوها بأن الاستهلاك هو أمر لا مفر منه و يحرضون على زيادته لتنشيط الحياة الاقتصادية و دورة رأس المال في المجتمع و يتوجون المستهلك و رغباته المتزايدة موجها و ملهما لكل خطط الانتاج و التسويق و ذلك من خلال دراسات مستفيضة و دقيقة و شاملة أصبحت تتعدى حدود الدول و القارات لتشمل العالم بأسره – و ان كان يوجد عالم غير هذا العالم لكانت شملته أيضا– من خلال وسائل الثورة التقنية و المعلوماتية و الاتصالات , و هنا أسأل القارئ للتوضيح: كم مرة اضطررت فيها البوح بمعلوماتك و اهتماماتك و هواياتك و أنت جالس أما شاشة حاسوبك الشخصي حتى يسمح لك بفتح حساب على موقع ما أو لتصفح موقع ما, و هل تعلم بأن الصفحة الرئيسية لموقع الهوتميل على سبيل المثال تتيح لك أن تختار ما تريد من نوعية الاعلانات و السلع و الأخبار والأفلام…الخ التي ترغب في أن تظهرها لك لدى تصفحك لهذا الموقع لتكون مناسبة لميولك الشرائية و الاستهلاكية قبل كل شيء, كم مرة أجبت عن أسئلة تتعلق بميولك و اهتماماتك و آرائك على صفحات التواصل الاجتماعي (و خاصة الفيس بوك)…!. سَيْلٌ من البيانات و المعلومات يتم بيعها أو الاستفادة منها في مراكز بحوث الشركات الكبرى – هذا ان لم يتجاوز الأمر ذلك – يتم البناء عليها في انتاج سلع و تسويقها لكل شخص و في أي مكان و الذي بدوره يكون أرضا خصبة لاعتناق هذه السلع وشرائها لأنها بالأساس بنيت على رغباته و لاشباعها و الكل يعلم هنا أن رغبات النفس لا متناهية و ما يشبعها اليوم لن يشبعها غدا و هنا تنشأ دورة متجددة لا متناهية من الاستهلاك و خلق الحاجات و تخفيزها و تلبيتها لا بل اتاحة المنافسة المخططة و الشرسة على تلبيتها و أقول مخططة لأنها تنتهي بهيمنة شركات عملاقة و بشكل شبه كلي على الحصص السوقية لمنتج أو سلعة ما. أود هنا أن أركز على موضوع خلق الحاجة و تحفيزها الذي برأيي هو العامل الأكبر المشجع على النمط الاستهلاكي لانسان اليوم و التي ألخصها بأنها عملية الخوض في تفاصيل الاحتياجات المادية و المعنوية و حتى الروحية للانسان بغية ايجاد و القاء الضوء على متطلبات جديدة و ايجاد المبررات و تضخيمها قدر الامكان بغية تسويقها و اقناع الناس بضرورتها و بالتالي شراءها أو تبنيها على الأقل وصولا الى تكريسها كعادة لا يمكن الاستغناء عنها. فعلى سبيل المثال و للتوضيح كلنا يعرف كيف أن المشروبات الغازية انتقلت من مرحلة الاستهلاك الضعيف وصولا الى تكريسها كشيء أساسي يقدم بشكل بديهي مع كل وجبة تقريبا في كل المطاعم و خصوصا الشعبية حول العالم و أصبحنا نسمع أن البعض “لا يمكن لعملية الهضم لديه أن تتم من دونها” و بمعنى اخر تم تحويلها تقريبا الى روتين يومي لا غنى عنه لدى الكثيرين.
تلعب البنوك دورا كبيرا في الترويج للفكر الاستهلاكي في الدول الغنية قبل الفقيرة من خلال منحها المُيَسّرْ للبطاقات الائتمانية و القروض الاستهلاكية التي تشجع على استهلاك المزيد و المزيد و يبرز الانسان المسرف على أنه الأفضل فكلما أنفقت المزيد و خصوصا على السلع الرفاهية و الكمالية كلما ازداد بريقك و سطع نجمك و حصلت على المزيد من التسهيلات و الخصومات أيضا, و هنا قد يسأل سائل عن الصواب في التعامل مع هذه المعطيات و ما هو الطريق الذي يوصلنا الى بر الأمان ماديا و أخلاقيا في ظل اسقاطات هذه الحضارة المادية بامتياز و التي تبعد الانسان عن جوهر الأمور لتبهره بالشكليات و تجعل منه مساقاً مع التيار دون هداية الى أين المسير و هنا لا أعبر عن نقد سلبي او ايجابي لأن لكل نظرية مسوقوها و أسبابها المنطقية و المقنعة التي لا مجال للخوض في تفاصيلها الان… أقول و بكل بساطة “ركز على الجوهر و لا تنبهر بالأضواء الكاذبة” و التركيز على الجوهر هنا يعني أن تقوم بالتعامل مع كل شيء مادي على أساس منفعتك الشخصية دون اغفال الاعتبارات الانسانية و الاجتماعية و الأخلاقية و الدينية التي كلها ترفض الاسراف و تحض أن يكبح الانسان قدر المستطاع لجام رغباته و متطلباته و أن يستهلك ما يحتاج فقط دون زيادة أو نقصان, اذ أنه بتغييب هذه الاعتبارات نكون قد كرسنا الجانب السلبي المتمثل بالسير نحو قانون الغاب و سلطة القوي صاحب المال على الضعيف الفقير, على حساب الجانب الايجابي المتمثل بتحقيق مصلحتك و اشباع حاجاتك دون أنكار الاخرين و حقهم في تحقيق مصلحتهم و اشباع حاجاتهم و احترام أسلوب حياتهم و الابتعاد كل البعد عن تصنيف البشر على أسس استهلاكية انما على أسس أخلاقية و أدبية و سلوكية قبل كل شيء فالمادة لم تكن و لن تكون أبدا معيارا لانسانية و تقييم الانسان و ان كان الواقع يكرس العكس فالمشكلة في الواقع و في أنفسنا قبل كل شيء….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *