الموسيقار حليم الرومي صاحب الألفي لحن!! … اكتشف المطربة فيروز وأول من لحن لها

by tone | 2 ديسمبر, 2014 7:58 م

 

maxresdefault[1]

 

زيــــاد عــســاف *
حليم الرومي، موسيقار وملحن، له أكثر من ألفي لحن، وقدم أسماءً كبيرةً في مجال الغناء والفن العربي، كل هذا ذهب أدراج الرياح وطواه النسيان، ولا يُذكر إلاّ من خلال ابنته الفنانة ماجدة الرومي، ويتذكره الناس حين يُلحق باسمها أحياناً “ابنة الموسيقار حليم الرومي…..!!”

رحلة ابن الرومي
بين فلسطين ومصر ولبنان
حليم الرومي من مواليد 1919، وكما تشير المراجع فإنه من مواليد الناصرة في فلسطين 1933، التحق بالمعهد الموسيقي في حيفا وهو لا يزال في سن صغيرة، وشارك في الحفلات والمهرجانات التي كانت تقام هناك، في أوائل الأربعينيات عمل في إذاعة الشرق الأدنى في حيفا، كمطرب وملحن وعازف، واعتمدته الإذاعة الفنان الأول في جميع الاحتفالات والمناسبات.
وفي الفترة نفسها فاز بجائزة تلحين نشيد الجيش العربي الأردني، بعد ذلك تسلّم رئاسة القسم الموسيقي في إذاعة الشرق الأدنى، ساهم في تأسيسها وإعادة تنظيمها حتى أصبحت من أهم الإذاعات في الشرق الأوسط.
في أواخر الأربعينيات تزوج من ماري لطفي فلسطينية الأصل وأنجب منها عوض ومها ومنى و”ماجدة”.
في مصر كان لحليم الرومي محطات فنية هناك، وفي أواسط الثلاثينيات كان يتنقل بين فلسطين ومصر، أكمل تعليمه الموسيقي في معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية في القاهرة، وأنهى دراسته في مدة سنتين بدلاً من 6 سنوات؛ وذلك نظراً لنبوغه في المجال الموسيقي، وقدم أولى حفلاته في الإذاعة المصرية وشارك كمطرب وملحن من خلال المسارح والاستعراضات، ولُقب في مصر وقتها بـ”خليفة أم كلثوم” وذلك لإبداعه وتميزه في مجال الغناء.
في أواسط الأربعينيات وفي القاهرة تعرف إلى المنتج السينمائي إبراهيم وردة وشارك في تمثيل فيلمين سينمائيين “أول الشهر” وفيلم “قمر 14” الذي غنّى فيه “يا مساء الورد على عيونك”.
عاد إلى لبنان عام 1950 وعين رئيساً للقسم الموسيقي في إذاعة لبنان، وكان له دور في رفع مستوى الأغنية اللبنانية وتقديم عدد كبير من المطربين والفنانين.

اكتشف المطربة فيروز
التقى الموسيقار حليم الرومي بالمطربة فيروز في أواخر الأربعينيات حين تقدمت لامتحان القبول في إذاعة لبنان، أعجب بصوتها وقدم لها أول لحن “تركت قلبي وطاوعت حبك” عام 1950، والأغنية الثانية “في جو سحر وجمال” واشتركت معه في دويتو غنائي من ألحانه “عاشق الورد” تقول كلماتها “ان مالكش نصيب.. يسعد هواك حبيب.. اشكي هواك للورد.. الورد أحلى طبيب”، ولحن لها أغنية جميلة أيضاً “أحبك مهما اشوف منك”، وبعد هذه المشاريع المشتركة قدمها الرومي للأخوين رحباني، في البدء لم يتشجع عاصي لها، لعدم تأكده من إمكانياتها في تقديم اللون المعاصر الذي يطمح إليه، هنا كان دور الرومي بإقناعه، لأنه كان أكثر من يعرف قدرات ومواهب فيروز، وهو من اقترح عليها اسم “فيروز” بدلاً من “نهاد حداد” اسمها الحقيقي.
وكان له الفضل أيضاً في اكتشاف وتقديم الكثير من الأصوات وتدريبها وتعليمها مثل: سعاد محمد، وفايزة أحمد، ونصري شمس الدين، ونونا الهنا.

ألحان لابنته ماجدة
في البدء أشفق الرومي على ابنته من العمل في مجال الغناء، ولم يكن متشجعاً لذلك، لكن فيما بعد، لحن لها مجموعة من الأغنيات منها “لبنان قلبي” و”العيد عيد العالم يا أمهات”.
أعادت ماجدة ووفاءً لذكرى والدها، بعض الأغنيات التي غناها ولحنها طيلة فترة حياته، منها “يرنو بطرف” و”يا مكحل رمشك ليه يعني” و”اسمع قلبي شوف دقاته” وفي الفترة الأخيرة أعادت وبصوتها بعضاً من أغنياته وبأداء وإخراج تلفزيوني مبهر جداً ومنها “يا معذب قلبي”، و”اليوم عاد حبيبي” و”يا مساء الورد على عيونك”، وإهداء خاص إلى روح والدها، أعادت من غنائه ولحنه أيضاً أغنية “سلونا” من كلمات الأخوين رحباني.

قصائد وأغنيات
غنى حليم الرومي الكثير من ألحانه ومن النادر جداً أن تُذاع، منها “في هدأة الليل” و”الأوضة العتيقة” و”هكذا تنتهي دوماً أمانينا” وهي قصيدة مترجمة عن الشاعر الفرنسي “لافارتين”.
لحن العديد من القصائد، هو أول من لحن قصيدة أبو القاسم الشابي “إرادة شعب”، ومن القصائد التي لحنها أيضاً “ومضة على ضفاف النيل” “عطر” و”البصيرة” و”لا تغضبي” و”هنا تقابلنا سوى”، كانت له تجارب في تلحين الأوبريتات الغنائية، منها أوبريت “القطرات الثلاث” و”مجنون ليلى” و”أبو الزلف”.

موشحات الرومي
خاض حليم الرومي غمار تلحين وغناء الموشحات، وهذا النوع من الغناء لا يقدر عليه إلا من يمتاز بقدرات فنية متميزة، كان يعي أهمية هذه الموشحات كونها من منبع عربي أصيل، وليس فيه دخيل من الغرب، وفي الوقت نفسه تضم كنوز التراث الموسيقي العربي والمقامات والأوزان، وهي مرجع كبير للموسيقيين ولا يمكن تغيير معالمها، فتحافظ على التماسك مع مرور السنين وتُحفظ من التعديل أو التغيير، وأهم ما في غناء الموشحات أنها قابلة للغناء الجماعي فيمكن تداولها وتوارثها بين الناس بعكس الغناء الفردي الذي يُنسى معظمه برحيل صاحبه.
لم يكن مفاجئاً أن يحصل حليم الرومي على الجائزة الأولى في مسابقة تلحين الموشحات الأندلسية والتي نظمها مجمع الموسيقى العربية في تونس عام 1972، ومن الموشحات التي لحنها “يا أهيل الحي” و”وجب الشكر علينا” و”يرنو بطرف” التي سبق ذكرها.
وكان حليم الرومي في هذا المجال، استمراراً لمسيرة عربية قديمة في تلحين وغناء الموشحات ففي أواسط القرن التاسع عشر، لحن محمد عثمان موشح “ملا الكاسات” في وقت أصبحت فيه الموشحات تقليداً أساسياً في الحفلات الغنائية، وتبعه بعد ذلك سلامه حجازي وداود حسني وكامل الخلعي، وتعمق سيد درويش في مجال تقديم الموشحات المتميزة بعد ذلك، ومنها “يا شادي الألحان” و”يا حمام الأيك” و”يا غصين البان” و”لما بدا يتثنى”.
في أواخر الستينيات من القرن الماضي ظهرت فرق كثيرة لإحياء التراث وغناء الموشحات، فكانت فرقة الموسيقى العربية بقيادة عبد الحليم نويرة، وكورال سيد درويش بقيادة محمد عفيفي، مما أدى إلى تشكيل جمهور خاص من محبي الموشحات والتراث القديم.
بعد ذلك تغنى المطربون بالموشحات بشكل فردي، من سورية غنى صباح فخري “حيّر الأفكار” و”ياما أسعد الصحبة” و”صيد العصاري” ومن حلب في سورية أيضاً صبري مدلل في “يا غصين البان” و”ما احتيالي”.
ومن لبنان قدمت فيروز والرحابنة العديد من الموشحات بشكل جماعي وفردي، غنت فيروز مع محمد غازي “حجبوها عن الرياح” وشاركها وديع الصافي في “إذا كان ذنبي أن حبك سيدي” وغنت بشكل فردي “جادك الغيث” و”بلغة يا قمر” و”جاءت معذبتي” و”يا من حوى ورد الرياض بخده”.
من مصر غنى محمد عبد الوهاب “يا حبيبي أنت كل المراد” وعبد الحليم حافظ “كامل الأوصاف” و”يا مالكا قلبي” من ألحان محمد الموجي، وفايزة أحمد “العيون الكواحل” من ألحان الموسيقار محمد سلطان.
وعمر فتحي “عجباً لغزال” و”أحن شوقاً” لنجاة علي.

حليم الرومي اللحن الخالد
في أواخر 1983 كانت نهاية الرحلة والتي سبقتها فترة مرض ومعاناة بعد مشوار طويل من العطاء في مجال الغناء والتلحين، ومما يثير الاستغراب والحزن معاً أن صاحب الألفي لحن وكعادة معظم الفنانين المبدعين، مغيّب عن وسائل الإعلام، علماً أن أعماله جديرة بأن تسمعها الأجيال الحالية، خاصة أنه قدم العديد من ألوان الغناء في مجال القصيدة والموشح والأغاني باللهجات المحكية، قد تُهمل كل ألحانه أو معظمها، لكنه أبدع لحناً شجياً عصياً على النسيان يذكرنا به دائماً، اسمه “ماجدة الرومي” الفنانة صاحبة “الصوت المثقف” التي تنتقي كلمات الأغنية بعناية وتقدم لنا فناً جميلاً، ويكفي أنها أوجدت جمهوراً متذوقاً وهادئاً، يتعايش مع الفن الراقي ويقدر قيمة اللحن والكلمة، وبعكس الكثير مما نشاهده الآن، … المطرب يرقص على المسرح… والجمهور يرقص في الصالة … حتى كدنا نتوه بين من يغني ومن يرقص.

* باحث متخصص في الموسيقى والغناء وأدب الطفل

 
تاريخ نشر المقال 13 تشرين الثاني 2012

Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/maxresdefault1.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/8210