الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

الواسطة.

wasta

تحت درج الكلية و في مكان غير ملحوظ وفي وقت لا تتواجد فيه حشود الطلبة كان مستخدم الكلية (الآذن) يلصق ورقة ساقني الفضول نحوها لأعرف محتواها الذي هو كالعادة اعلان عن بعثة أو منحة أو شيء يفيد الطلبة بشكل أو بآخر فات أوان التقدم اليه منذ أسبوع أوعشرة ايام…!؟ طبعا لم أتفاجأ بل قرأت الاعلان و اذا بي أحقق شروط التقدم لا بل أتفرد بأحد الشروط عن الدفعة كلها لدرجة خطر ببالي أن “أغامر” بصعودي في اليوم التالي الى مكتب عميد الكلية لأستفسر عن الموضوع و لأبرز له تفردي بأحد الشروط و أهمها, و الذي بدوره أبدى “تعاونا و ترحيبا” و طلب مني أن أراجعه في بدايه الأسبوع القادم لينظر في القضية…! خرجت و في نيتي أن أنسى و لكن فضولي ساقني في بدايه الأسبوع التالي الى مكتبه لتطلب مني السكرتيرة أن أراجع الوكيل العلمي الذي أطلعه العميد على موضوعي لأجد هناك المماطلة و الاجابات الانفعالية اللامنطقية و محاولة الاقناع الغير مباشر بأن أنسى الموضوع الذي كنت شخصيا و منذ البداية لا أرى أملا يرتجى فيه و هكذا كان….. “لا حياة لمن تنادي” و الأسماء موضوعة مسبقا و لا داعي لأن يرهق المرؤ نفسه فالواسطة فوق كل شيء…
ان هذا الموقف الذي ما هو الا واحد من الكثير من المواقف التي واجهتها و نواجهها جميعا, البعض منا يستطيع أن يواصل مشواره غير آبه بها و يخلق من معاناته أسبابا للنجاح و التقدم و البعض الآخر تشكل له مثل هذه الأمور عقداً ترافقه بقية حياته وتؤثر على تقدمه و طموحه و في بعض الأحيان تودي بحياته قهرا و غما و هنا “لا أبالغ”… و ما طرحي له الا مقدمة للتعريف بداء انتشر و ينتشر كالسرطان و يفعل فعله في المجتمع و النفوس, يخيب آمال و يسحق أخرى و هو ” الواسطة” … فلا يكاد شخص يصل الى حق من حقوقه أو لأمر يبتغيه الا بواسطة فالدخول الى الجامعات يحتاج الى واسطة, و الحصول على وظيفة يحتاج الى واسطة و دخول المشافي العامة يحتاج الى واسطة بل ان هناك يقينا لدى أكثر الناس اليوم أنه لا فائدة من مراجعة أي دائرة كانت حكومية أو أهلية الا بوجود الواسطة…. فما هي هذه الظاهرة و كيف نشأت و هل تقتصر على نوع واحد و هل هناك جانب ايجابي و جانب سلبي لها؟!
الواسطة باختصار هي طلب العون أو المساعدة في انجاز شيء (الحصول على وظيفة, شهادة قيادة, أسئلة بكالوريا, منحة دراسية…..) من انسان ذو نفوذ في مكان و زمان محددين بغية تحقيق المطلوب لانسان لا يستطيع أن يحقق مطلبه بجهوده الذاتية أو نتيجة ظروف معينة خارجة عن سيطرته و لا يد له فيها و لا يستطيع التأثير عليها. بنظرة تعمقية بسيطة في هذا التعريف نعرف أن هذه الظاهرة تحتمل الكثير من التأويلات و المعاني و تطبيقها ينطوي على الكثير الكثير من الحيثيات التي تسوقني الى طرح أمثلة تنطوي على نظرة ايجابية للظاهرة موضوع النقاش أولها يتلخص بكوني أعرف شخصا عنده من الذكاء و التحصيل العلمي و الأخلاق ما يؤهله لأن يشغل أعلى المناصب لم يستطع بعد تخرجه أن يحصل على وظيفه الا بعد سنين طويلة و دخول “واسطة خير” أدت الى وضعه في المكان الذي يستطيع فيه أن يخدم وطنه و يفيده بما لديه من علم و معرفة و ذكاء…
نجد في أرقى الجامعات العالمية أن هناك توصيات تصدر من كبار الأساتذة الجامعيين تمنح لبعض الطلاب المتميزين لتسهيل أمور تحصيلهم العلمي وتقدمهم و قبولهم للحصول على الدرجات العلمية العالية و الوظاثف التي يستحقونها…
يفيدنا علم الكيمياء أن بعض التفاعلات تتم ببطء شديد عند مزج المواد المتفاعلة ببعضها ببعض, و لهذا يتم اللجوء الى ما يسمى المواد ” الوسيطة” أو المحفزة التي تزيد من سرعة التفاعل و دون أن تؤثر أو تتأثر بنتائجة…
نجد في مفاهيمنا و معتقداتنا الدينية وجودا و حضورا فاعلا لمفهوم ” الشفاعة” لمغفرة الخطايا أو للشفاء من الأمراض … الخ
فهل يا ترى هذه الظاهرة هي من طبيعة التكوين و لا مناص منها و نحن الذين نسيء فهمها أو نجد مشكلة في تقبلها نتيجة فهم خاطيء و قراءة خاطئة للطبيعة و المجتمع و قوانينهما أم أن فهمنا لها صحيح و الفكرة السلبية التي نحملها هي صحيحة بالمطلق أم أن لكل حالة معطياتها و حيثياتها التي تحكم و بشكل جازم بايجابيتها أو سلبيتها….؟!
أقول أن التوسط هو أمر معقد و يجب اعطاءه حقه و التعامل معه بحكمة وموضوعية مطلقة –ان صح التعبير- فعندما يشاء الرب و يجعل أي شخص في مكان و سلطة تتيح له التوسط لتغيير حياة انسان ما في مكان ما و زمان ما و مجال ما و نتيجة ظروف معينة, فعلى المتوسط هنا أن يدرك أهمية و حساسية ما سيقدم عليه و أن يحكم ضميره و أن يعي تماما عظمة و أبعاد ما سيقدم عليه و أن يميز ما بين التوسط بغرض احقاق الحق و ما بين التوسط لتفعيل الشر و تكريس مفاهيمه و تفشيه ليصبح فيما بعد و كأنه أمر محمود و شيء طبيعي فتضيع قيم الخير و يفسد المجتمع و تتراجع عجلة تقدمه الى الخلف.
يركزالسيد المسيح في كثيرمن المعجزات التي صنعها على مفهوم الايمان فما أعظم قوله لأعمى أريحا بارتيماوس “ايمانك قد شفاك” (لو18:42،مر10:52) و للأبرص الذي طهر “ايمانك خلصك” (لو17: 19) و لنازفة الدم :”ثقي يا ابنة: ايمانك قد شفاك” (متى: 9: 22) كذلك فإنه لما سمع الأعميين اللذين صرخا “ارحمنا يا ابن داود”، قال لهما: “بحسب إيمانكما ليكن لكما فانفتحت أعينهما” (متى 9: 29). ومن الناحية الأخرى، نرى أن السيد الرب لما جاء إلى وطنه “لم يصنع هناك قوات كثيرة لعدم إيمانهم” (متى 13: 58). و لكن ما علاقة هذه الايات بموضوعنا يسأل سائل؟!؟!… العلاقة قوية جدا و لنا فيها عبرة كبيرة يؤخذ بها عند التطبيق كوننا نجد الرب يتوسط للمؤمنين و الصالحين فقط و نجده لا يقوم بهذا الفعل مع غير المؤمنين و هكذا يجب أن تكون الواسطة أو الشفاعة أو المحسوبية “ان حدثت” أن تكون مكتملة الأطراف : طرف مستحق و لديه المؤهلات و قد تعب على نفسه و سهر و طور ذاته ليصبح مستحقا للشيء الذي ينشده بالاضافة الى تكليل هذا الاستحقاقا بالأخلاق الرفيعة و السيرة الحسنة المشهود لها و التي كما أؤكد دائما لا قيمة لعلم أو تحصيل أو معرفة بدونها, ليأتي بعد ذلك و ان لزم الأمر الطرف الاخر ليسهل وصوله لمبتغاه لمعرفته الحقة بأنه الأكفأ و الأنسب….
و اخيرا أقول حتى لا أتهم بالخلط بين مفاهيم الواسطة و المحسوبية و الشفاعة و ما الى هنالك من مصطلحات أنني لست بصدد التعريف بحيثيات و مفاهيم كل هذه المصطلحات و لكن التركيز هنا على الجوهر الذي هو متشابه الى حد بعيد برأيي على الأقل…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *