الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

مهنة العطارة والعطارين أيام زمان

10884974_760367404047492_507314981_n



التراث الشعبي أساس الشعوب ومصدر حضارتها، والتعرف عليه يساعد على فهم طبيعة الشعوب، ويجر فوائد على صعيد المعرفة والثقافة وتلك رسالة ومهمة وطنية يجب على كل مواطن أن يعمل عليها ويساهم في نشر التراث الشعبي لوطنه.

10937284_760367407380825_1586832369_n


هناك مقولة جميلة من مفردات تراثنا اللغوي المتين “وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر” قول يبين لنا أهمية دور مهنة العطارة و العطارين وأنها ترقى إلى تلبية احتياجات المرء الخدمية والاجتماعية والصحية . فالعطارة بتنوع موادها وأغراضها والعطار في نباهته وذكائه وفنه وخبرته في ممارسه عمله يرقى لأن تكون مهنته مظهر من مظاهر التراث الشعبي …. ومهنة العطارة هي فعلاً مهنة توارثها الأبناء عن الأجداد رغم أنها مهنة تدرج اليوم تحت مسمى الطب البديل، والعطار كان في ذلك الزمان الغابر الطبيب والصيدلي في آن واحد إذ انه كان في تطبيبه يحدد المرض ويصف الدواء..وفي الكيمياء وتراكيب المواد كان الكيميائي من الطراز الأول ومن غير أن يكون أكاديميا ..فقد عرف تأثير كل مادة , كما وعرف أيضا صفاتها فيزيائيا وكيميائيا وماذا ينتج عن اختلاط المواد بعضها البعض و تأثيرها على الإنسان طبيا .. فالعطّار قديما كان يدعى “الحوّاج ” لأنه كان يحوّج الأعشاب المختلفة ويجمعها في صنع خلطة عشبية أو “تحويجة ” لعلاج مختلف الأمراض . والجدير بالذكر أن معظم أصول العطارة وموادها شرقية هندية صينية أو إيرانية فارسية ومنها ما هو مصري أو مغربي أو يمني، ولعل تركزها في هذه المناطق يعود لطبيعة العمق التجريبي عند شعوب الشرق من جهة، ولِما أعطى الله تلك البلاد من خيرات الأرض من بذور وبهارات وأعشاب . وترى العطار يصنع الدواء ببديهة ودراية، وربما مارس خلط البذور والأعشاب أو الجذور والأوراق فأخرج منها دواءً جديداً مركباً، ولا تقتصر معرفة العطارين على فوائد وصفاتهم الدوائية وموادها. بل وعرف أيضا فائدة شرب كل مستخلص من أوراق مختلف أنواع النباتات ومنقوعها في الماء , وعرف بمكامن الخطر، وسمّيات الزهور أو البذور التي يضعها على أرفف محله إذ أنه من الملفت للنظر أن أكثر من تسعين عشبه لابد لها من أن تكون موجودة في محل العطار …. و كان يدعى العطار أيضا بالحكيم فهو يصف مختلف الأعشاب كمواد طبية لعلاج الحمى مثلا والأمراض الباطنية وتراه يعالج ويداوي ما يصفه له المريض من الآم ومعاناة كما كان من الطرافة والظرافه أنه يروّج قديما لمواد وتركيبه يبيعها كأشياء تعيد للشيخ صباه. وتراه معالجا لكثير من الأمراض الجلدية , وتفتيت الحصا وتوسيع الحالب,و..و.. ومعالجة النساء الحوامل فمن تسريع المخاض والطلق بمحرضات عشبية وغسول أو بإسقاط الجنين أو تثبيت الحمل وكان يمارسها سرا بعيدا عن نظر القانون لأنه يعاقب عليها .. وتراه أيضا طبيبا مختصا بما يعرف اليوم “بطب التجميل”فهو يسحر الجنس الناعم بمنتجاته فمن تركيب مواد “مكياج “المرأة والعرائس من مساحيق وبودرة ومراهم ..وتراه صيدلانيا زراعيا يعرف بتركيبة المواد التي تساعد على إتلاف القوارض في البيت او الحقل وكذلك الهوام و الحشرات و..و وتراه حلالاً لكل مشكله بل ويتعداها إلى بيع مواد السحرة والمشعوذين من بخور وغيره فهي تباع وتشرى حصرا من محل العطار ..وبالإجمال “عطار” أيام زمان موسوعة في مهنته فهي مهنة تخصصية لا يقدر على مزاولتها كل من يحب لأنه يحكمها كما رأينا خبرة واسعة يكتسبها العطار بطول الممارسة وتصقلها تكرار التجارب ومراقبة النتائج فأخطارها قد ينجم عنها موت أو بلية بمرض عضال أو حتى حريق أو انفجار ..وقد حصل ذلك فعلا مع البعض منهم .. وقلّة من تمارس مثل هذه المهنة كما أسلفنا لصعوبتها وكثرة تفرعاتها ثم إنها تحتاج لرأسمال كبير , وكذلك صعوبة في اجترار مواد العطارة كما وأن في ممارستها مخالفة للقانون كبيع السموم أو إجهاض حامل أو بيع مواد تساعد في صنع متفجرات أو ..أو.. “والعطار” في مهنته يبقى مقصودا من قبل زبائنه ونراهم يشقون الطريق إلى محله حتى لو سكن الغابات وفي كل مدينة كبرى لا تجد عدد من يمارس هذه المهنة بأكثر من أصابع اليد الواحدة لا..بل واحد أو اثنان..وكان يختار مكان محله في منتصف سوق المدينة تقريبا ليكون قريبا من كل زبائنه وقاصديه ولا يضل كل من يقصده الطريق إليه أبداً.. وفي سوق الطويل في حماه “سوق المنصورية ” الذي بناه ملك حماه المنصور عام 1220 م وفي منتصفه قرب جامع الأشقر تقع دكان أشهر العطارين ” عابدين ” فهو الموسوعة والجامع والخبير والمجرب والعارف بمهنة العطارة وحذافيرها وخفاياها وقد سبقت شهرته المدينة وما حولها من قرى حتى تعدت إلى مدن أخرى ..وعابدين من مواليد حماه وقد عاش وتوفي في عام 1991 وله من الأولاد 8 ذكورا وجلهم يمارس مهنة العطارة . عادت مؤخراً مهنة العطارة إلى السطح وبقوة ، فبعد أن كادت تنقرض صار الناس أكثر إقبالاً على محلات العطارة من ذي قبل خصوصاً وأن الطب الحديث عجز عن علاج الكثير من الأمراض والتي أصبح يطلق عليها لفظ “مستعصية”، بل أن كثير من الناس صارت تهرب من الأدوية الكيميائية ذات المضاعفات والآثار الجانبية وصارت تبحث في محلات العطارة عن العلاج الطبيعي الآمن ’ كما كان يفعل أجدادنا قديماً إذا ما أصيب احدهم بمرض أو علة ما. ولا ننسى النساء فقد حدثت ثورة كبيرة بعودتهن إلى الطبيعة وإلى الأعشاب والمواد العلاجية خصوصاً فيما يتعلق بالجمال فصارت المرأة تحرص على استخدام الحناء والغسول وصابون الغار والطين البركاني وغيرها من المواد الطبيعية المتوفرة في محلات العطارة، وهكذا.. استرجعت الأعشاب التجميلية رونقها، وعاد للعطار دوره في بيع وإعطاء الوصفات الطبيعية، وسبب هذا الرجوع إلى الماضي راجع أساساً إلى الموجة التي يعرفها عالم اليوم بطب التجميل، والتي أصبحت تدعو للعودة إلى الطبيعة وإلى مكوناتها وتحذر من المواد الكيماوية المستعملة في مستحضرات التجميل . كما أن انخفاض تكاليف المواد الطبيعية بالمقابل مع ارتفاع أسعار المستحضرات التجميلية العصرية له دوره في هذه العودة……

***************************************************
محمد مخلص حمشو
Mokhles.hamsho@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *