الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

دار “العجزة” للمسنين .. دار السعادة “للمسنين” :

10952370_762575720493327_18546566_n

 

في ظل اهمال شريحة من الناس في مجتمعنا العربي للقيم والمبادئ الأخلاقية الجليلة وانتشار العقوق والقطيعة في التواصل الأسري والاجتماعي والتي كان من نتائجها ظاهرة اهمال المسنين وكبار السن وقد لاحظنا اليوم كيف رفضها الكثيرون وتناسوها معتبرين حسب ظنهم أنها شريحة اصبحت عالة على الآخرين وخاصة بعد أن تتدهور صحة المسن ويكون الدهر قد أكل شيئاً من حيويته وترك بصماته الواضحة على وجهه حيث رسم تجاعيد تنذر بخطر قادم و معها تغيرت الصوره الجميلة التي كانت في يوم ما يتباهى بها . وترى المسن المسكين في قرارة نفسه بعد أن افنى شبابه وقدمه هدية متواضعة لأبنائه ومجتمعه يشعر كأنه اصبح حملا ثقيلا عليهم فتراه مهملا وقد اودعوه في غرفة منفردة اشبه بزنزانة سجين فقد فيها دفء العائلة وألفتهم وأنس الوجود ..ففي هذه الحالة المزرية من له يا ترى ومن يعوِّضه ومن يهتم ويعتني به ويقف على احواله أولا بأول ويتابعها متابعة مستمرة ويوفر له جميع متطلباته واحتياجاته بمختلف الجوانب سواء أكانت احتياجات صحية او نفسية او اجتماعية او خدمية أو ترفيهية أحيانا ..فهل هناك غير دور “المسنين” العجزة التي باتت تزرع لهم الأمل في خريف العمر وسط مأساة النكران والجحود. انك عندما تدخل الى عالم المسنين المليء بالعبرات والآلام والأحزان وتتلمس الظروف القاسية التي دفعتهم الى دخول دار العجزة عندها سترى وجوها وقد ملأها التجعد على الأغلب وحفر عليها الزمان اخاديدا تتشابك بينها كالعروق في ظاهر كفه , وتلمح معها عيونا تكاد تذوب من كثرة الدموع وخاصة عندما تستمع اليهم وهم يروون مأساة النكران والجحود في قصص يدمع لها القلب قبل العين وكيف عاشوا مآسي ما زالوا يعانون آثارها ..عندها حقا تدمع العين لدموعهم ويتفطر القلب عليهم ،.. هم مسنون اغلبهم آباء وأمهات ضحّوا وكدّوا وسهروا على تربية أبنائهم وقد مرّ عليهم الزمان وبعدما أوصلهم أبناؤهم الذين خلت قلوبهم من أبسط معاني الرحمة الى هذا المكان .. وتختلف ردود فعل المسنين وأنت تسمع منهم فترى من بينهم من يفرح لوجود أناس يخدمونه ويتحدثون معه ويقدمون له الطعام ويعتنون به بل وينظفونه احيانا في هذه الدار, ومنهم من يكون في قمة الحزن ولا ينسى ويتحسر مما فعله به ” أقرب المقربون “.. لكن الملاحظ عليهم جميعا أنه سرعان ما يتأقلمون ويعتادون على الدار وينسجمون فيها لدرجة شعورهم بعدم الحاجة لزيارة الأقرباء. بداية انا لا أشك ان رعاية المسن واجب يحتمه علينا ضميرنا وديننا وأخلاقنا وإنسانيتنا ..لكن السؤال الذي يطرح نفسه أليس مبدأ وجود دار المسنين هو خير من يؤمن حلاً عملياً لمشكلة هرم او مرض أحد الوالدين حين يتحول إلى عبء على أحد الأولاد أو بعضهم أوليس هو حل ايجابي اضافة لكونه يخلص الوالدين من الوحدة القاتلة في حال انشغال الابناء او سفرهم بعيدا عن موطن الأب ,ثم هناك مشكلة تتمثل في عدم تواصل المسن مع الأصدقاء بسبب تفرقهم أو مرض بعضهم، والمشكلة الأكبر التي تؤثر على نفسية المسن هي فقده لشريك الحياة كالزوج أو الزوجة بسبب موت أحدهما فهذا يولد لدى المسن إحساسا كبيرا بالوحدة وآثارها النفسية عميقة جدا عليه بسبب عدم القدرة على التكيف مع الحياة الجديدة ومع من حوله عندها يجد المسن وضعه في عزلة وكأنه يساهم في قتل نفسه تدريجيا وهو رهن الاعتقال والإقامة الجبرية دونما قصد منه ..فـهل في فكرة دار المسنين عقوق للوالدين… ؟؟؟أم أنها حل عملي بغض النظر عن المثاليات والمبادئ؟؟؟ اجزم قائلا نعم فقد بات هو الحل فعلا وخاصة في الدول المتقدمة والتي تحترم الانسان فهناك مؤسسات مسؤولة مسؤولية مباشرة عن ادارة دور المسنين والعجزة، والأطفال المشردين حيث تقدم لهم الخدمة والمسكن والرعاية الصحية والاجتماعية … قد تكون ظاهرة وجود دور العجزة ظاهرة مثيرة للجدل لكنه حقا ان إحداث مثل هذه الدور أو جمعيات لرعاية المسنين ليس أمرا سلبيا على الإطلاق كما يعتقدها البعض فهي كما اسلفنا تعتبر ملاذا آمنا لكبار السن الذين تقطعت بهم السبل أو ضاقت بهم صدور بيوت أبنائهم فتقدم لهم الجمعية كل الرعاية والاهتمام اللازمين.

ان المسنين ثروة نتعلم منهم فهم تاريخنا وثقافتنا هم ذاكرة أمة تمشي على الأرض , وجزء من تراثها ..وان القائمين على دور المسنين هم فريق أيضا لا اصفهم بغير وصف صناع الحياة او بملائكة الرحمه انهم يعملون بجد ونشاط وبكل وجدانية وضمير حي لتأمين جميع احتياجات المسن وبمختلف تعدداتها وبكل اريحية وصدر رحب وأهم شيء يعملونه وهم جاهدين هو كسر روتين المسنين ليعوّدوه فلسفة حياته الجديدة وهي ان يستغل كل لحظة في حياته مبتعدا عن الحزن وتذكّر الماضي وأن يعيش يومه ومستقبله وليس ماضيه.

وحماه مدينتا الرائعة تباهي وتفاخر بأنها اول مدينة بوطننا سوريه كانت قد أنشأت دار العجزة والمسنين في منتصف القرن الماضي معبرة بذلك عن الألفة والتسامح والتعايش المشترك بين مؤسسها الشيخ المرحوم سعيد النعسان مفتي حماه ونائبه البطرريك اغناطيوس حريكه رحمهما الله كانت مسيرة حياه للدار معطرة بالفل والياسمين وسجلها حافل بالخير والمكارم ولا اكون مغاليا ان قلت ان الصرح الحضاري لدار المسنين بحماه الحالي وأن القائمين عليه من مجلس الادارة والعاملين فيه جعلوا منه منشأة تتبوأ المرتبة الأولى في القطر وبخاصة بحسن الرعاية ومعاملة المسنين وعلى رأسهم الأخت فريدة طيفور التي رفعت سمعة الدار الى ما يليق بها من احترام وتقدير.. وغيرت ما كان يرسخ في افهام البعض من الناس من ان الدار هي للمقطوعين عن ذويهم و المهملين في الحياة فهناك حقا من نزلاء دور المسنين من اختار الاقامه في الدار لما توفره من خدمات وأسباب سعادة وحب وتواصل حقيقي مع ان بعضا من النزلاء وهم ما عليه من الثقافة ويسر الحال ومقدرة ماليه تمكنهم ليقيموا في فنادق الخمس نجوم لكنهم ومع ذلك اختاروا اقامتهم على كبر سنهم في دار المسنين لأنها دار بحضارية بناءها وتوفر وسائل الراحة وتأمين جميع مستلزمات المسنين فيها جعلت منها دار حياة ودار سعادة فكانت حقا “دار السعادة للمسنين” .

محمد مخلص حمشو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *