جدلية الأنسنة والشيئنة في قصيدة( في القدس) للشاعر تميم نواف البرغوثي

by tone | 2 يوليو, 2015 12:43 م

11652252_405483732989994_1748323539_n[1]

       يشكل النص الشعري الفلسطيني رهانا أبداعيا
اساسيا في خارطة القصيدة العربية،وذلك قياسا الى عوالم جمالية وفنية خاصة، ومن هذه العوالم هوتحشد الخارطة النفسية للنص تحت ضغوط أزلية قائمة منذ الأزل وممتدة الى الابد، حيث الألم الفلسطيني الذي لاينتهي الا ليبدأ من جديد،وبصورة اشد قسوة وبشاعة،في وقت يكون الفلسطيني فيه قد استلقى على جمر الحلم بانتظار غودو عربي قد يأتي وقد لايأتي،لذلك يتشكل الشعر الفلسطيني من مصاهرة عجيبة بين الصبر والجمر. قصيدة الشاعر البرغوثي هذه هي اولا سيرة ذاتية غير اعتيادية لمدينة غير اعتيادية ايضا،هي (مدينة الله) كما يسميها القاص والروائي الفسطيني حسن حميد، القدس عروس الارض وحبيبة السماء:  في القدس،بائع خضرة من جورجيابرم بزوجته يفكر في قضاء اجازة أو في طلاء البيت في القدس،توراة وكهل جاء من منهاتن العليا يفقه فتية البولون في أحكامها  في القدس شرطي من الاحباش يغلق شارعا في السوق،  رشاش على مستوطن لم يبلغ العشرين  قبعة تحيي حائط المبكى وسياح من الافرنج  شقر لايرون القدس اطلاقا تراهم يأخذون لبعضهم صورا مع امرأة تبيع الفجل في الساحات طول اليوم. من هذا المقطع المشهدي،تبدا صورة القدس تتشكل فسيفسائيا،حيث  تحفل القصيدة بخصوصيات سردية و تعبيرية وبنائية فيها الكثير من التشويق الحكائي،والوصف الحي لنزعات النفس البشريةوتقلباتها،حيث بلور فيها تاريخ مدينة (القدس) جوهرة الارض وقدس الاقداس ونجمة السلام،من خلال استغوار أقاصي الذات الانسانية في همومها النفسية(1) وانشغالاتها اليومية عبر مجموعة متراصة من الصور التي تسحر الالباب بأجوائها الحضارية والاجتماعية والانسانية،حيث تتشكل تحت وطأة ضغط شديد من تشتت الرؤى واضعاف الايدلوجي في النص: في القدس أسوار من الريحان  في القدس متراس من الاسمنت  في القدس دبّ الجند منتعلين فوق الغيم في القدس صلينا على الاسفلت في القدس من في القدس الا انت يرى كمال ابو ديب ان الشيئنة هي تحويل الحي النابض بالجمال والحياة الى  جماد لاروح فيه ولا نامةولا حياة(2)  كما في : شيئنة: 1. في القدس بائع خضرة من جورجيا 2.  في القدس توراة 3.  في القدس شرطي 4. رشاش على مستوطن 5. قبعة تُحييّ حائط المبكى 6. سياح من الافرنج شقر لا يرون القدس 7. امرأة تبيع الفجل أما الأنسنة، فهي تحويل الجماد الذي لاروح فيه ولانأمة  الى كائن حي  نابض بالحياة والجمال،نحو:  ألأنسنة: 1. في القدس أسوار من الريحان 2.  في القدس رائحة تُلخص بابلا والهند 3. في القدس يزداد الهلال تقوسا مثل الجنين 4. في القدس أبنية حجارتها اقتباسات من الانجيل والقرآن 5. في القدس تعريف الجمال مثمّن الاضلاع أزرق 6. في القدس السماء تفرقت في الناس تحمينا ونحميها 7. في القدس من في القدس لكن لاأرى في القدس الا أنت           تشكل الرؤية في النص السير ذاتي واحدا من أبرز مهيمنات التأليف السير      ذاتي،وذلك بحكم حالة التوحد والتطابق المفترض وجودها بين الذات الراوية والذات المروية في النص،وعائدية الذاتين الى ذات موجودة خارج النص،سبق لها ان عاشت الحياة في الواقع،وهي نفسها التي سوف تعود لتعيشها على مستوى النص(3) فالمحور الذي تدور عليه السيرة الذاتية،هو الذات الفردية ليس بمعناها الحقيقي السايكلوجي ـ حسب ـ بل بما هي تكوين وجداني ومعرفي منظور اليه من الباطن الشخصي(4)،كما أن كاتب السيرة الذاتية عندما يشرع بكتابة سيرته الذاتية،لايملك الاّ ان يعبر عن صوته وصوت راويه،اذ يتخذ ازاء ــ ما يروي ــ مكانا مزدوج الحضور،فهو الذي يرتب ألأحداث متنا ومبنى،وهو الذي يصنع الحدث بوصفه كائنا يعيش داخل المتن المروي،فأين تكمن وجهة نظر صاحب السيرة وراويها وهو يقص عن نفسه؟ ان وجهة نظره تكمن في خارج عمله أولا،وداخله ثانيا،فهو كائن سيري ذو وجودين:خارجي وداخلي،ولايمكن تخيل عمل سير ذاتي دون أفتراض هذه العلاقة(5):  وتلفت التاريخ لي متبسما أظننت حقا أن عينك سوف تخطئهم،وتبصر غيرهم هاهم أمامك،متن نص أنت حاشيته عليه وهامش أحسبت أن زيارة ستزيح عن وجه المدينة يا بُني حجاب واقعها السميك لكي ترى فيها هواك في القدس كل فتى سواك وهي الغزالة في المدى،حكم الزمان ببينها مازلت تركض اثرها مذ ودعتك بعينها  رفقا بنفسك ساعة اني أراك وهنت  في القدس من في القدس الا انت   لاشك ان الشاعر تميم البرغوثي،له القدرة على صناعة قصيدة عربية مختلفة،فيها التمرد،وفيها التاريخ،وفيها الحاضر الغريب ،والماضي العجيب،كما ان من طبيعة الشعر الذي هو نبوءة ورؤيا وخلق ان لايقبل اي عالم مغلق نهائي وان لاينحصر فيه،بل يفجره ويتخطاه، فالشعر هوهذا البحث الذي لا نهاية له(6) ومنه انطلقت ثورة نفسية كبرى من اعماق الشاعر تؤسس للتمرد الواعي،وهذا التمرد يُعد من اهم علامات الشعر العربي على نحو خاص،ان النص (الأشكالي/ الأختلافي) الذي تبتكره قصيدته(في القدس) يشكل مشهدا شعريا خصبا ومتنوعا الى حد كبير بفضائه وعطائه وخصوصيته،لقد تمرد الشاعربما معروف عنه من جرأة وشجاعة على طرح نص شعري صعب وشائك وشاق ونادر في هذا الزمان!
الهوامش والمصادر والمراجع **
قصيدة (في القدس)،تميم نواف البرغوثي،ديوان أمير الشعراء،الموسم الاول 2007،:147 1.جدلية الأنسنة والشيئنةــ فضاء السيرة المكانية في رواية (مدينة الله)،كمال عبد الرحمن ،(كتاب نقدي مشترك)،عالم الكتب الحديث، الاردن ،2012،:35 2.مجلة ثقافات ، كلية الاداب ،جامعة البحرين،(ع5) :73 3. انساق الميثاق الأطوبيوغرافي: السيرة الذاتي في المغرب نموذجا،حسن بحراوي، مجلة افاق المغربية، العد( 3ـ 4) لسنة 1984،:40   4.الذاكرة والذاكرة المشتهاة في مرارت السيرة لفالح الطويل،مهند مبيض، مجلة عمان، الاردن،ع(121) 2005،:21   5.الذات ممحوة بالكتابة: حول الصراع السيزيفي في سيرة فدوى طوقان الذاتية،حاتم الصكر، مجلة راية مؤتة، الاردن،مج(2)،:114   6.زمن الشعر ،أدونيس،دار العودة،ط1،بيروت،1
 

 

 

 
 
 
Endnotes:
  1. [Image]: http://kfarbou-magazine.com/wp-content/uploads/11652252_405483732989994_1748323539_n.jpg

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/9441