الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

الشوارع متن الحضارة هوامشها الأرصفة

11943380_428359654035735_956433472_n

( واحد تحضّر… اثنان تنظر … ثلاثة …) تحضرت حتى اصطبغت دمائي بأي لون شاء المتحضرون ،

هم الرأس وأنا قافلة تجرّ الخطى على آثارهم ، هم القيادة وأنا لهم قاعدة أمينة … اثنان – غفوت كمن خدرته نشوة عارمة تحت الضوء فاستيقظوا هم في الظلمات … ثلاثة – ثالثة الأثافي التي تقوم عليها الحضارة ، أنطلق الدخان يحجبني عني ، يفرق بين لحمي وعظمي ، تخفق راياته السوداء على رؤوس المباني والبواخر والقاطرات … ثم اشتدت المنافسة : كلٌّ شهرَ سلاحه الماضي مهدداً كروية الأرض صارخاً في وجوه الأجنة :” أنا الأقوى ” . وحيداً أضع في الأيدي جوازات الانعتاق ، أضيء المعابد فيوصي بعضهم بعضاً” ﴿ لاتذرُنَ آلهتكم ولا تذرُنَّ وداً ولاسواعاً ولايغوث ويعوق ونسرا ﴾… وحيداً أحفر زمزم – ابتداء طريق مندى وانتهاء جدب ، يُفتت الصخور معولي ، أصابعي تذروا الرمال في عيون لم تستطع يوماً أن تبصر ما يوصل بين الرؤى الصادقات والحقيقة … وحيداً أحرق نفسي على مسرح تُحيطه الرؤوس من كل الجهات ، تلاشت قدماي من الركض ، وهنت قواي وبُحَ صوتي منذراً بالويل مبشراً بالندى والنشيد … حاولت أن ألم شتاتك بي ، إلا إنّ المغني لم يزل ينوح في دمي على حبيبته ، فأضاعني ! حاصرني في التلفاز والمسرح ، في متون المدن الحديثة جداً ، بين ثنيات وسادتي حتى أضاعني أخيراً ، فأضعتكِ ، وأنتِ أدنى من الروح مني حين تحاصرني روحي الغريبة بين كل هذا الركام الذي أناخ هياكله على صدري … فيا آخرتي التي أرجو هل من لحظة بكر أرتشف فيها قليلاً من هواء الصــباح ؟!… عيون ذات عدسات ملونة ، عيون كما شئت كانت ، عيون لفرط حضارتها انطمست إلى القفا ، كل يشكلها كم يشاء عصرنا الالكتروني ، تقافزت على واجهات المحلات – وهي مثيرة وأنيقة : صور نساء ، سيقان ، رؤوس تطلعت إلى ماشاءت ثم هوت ، وكلما أمتد بها أمد التطلع فقد رقيت في السلم إلى ذروة ابتدأت بانجذاب العيون ولم تنتهِ بعد من إشكالية الوجود … يا أنت – يا أنا ، شوارع تنهشنا معاً ثم تلفظنا جثتان فوق بركان العصر ، ذكرياتنا حقائب أهملها الوقت ، فأمتلات دوداً ابتدأ مسيره المظفر الأخير ، فمن يستر عري الروح ؟ مالفرق إذن بين أن نمتشق الحلم أو نمتشق ، ما الفرق إذن – ياأنت – بين المتون والمقبرة ؟!… عيون العقل والصدر والأصابع أبصرت بأحدث المجاهر كل شيء إلا الموت ، والموت يهدد الخطى بين كل شهيق وزفير . أقدامنا تدوس على حشائش تغذت من عظام إمبراطوريات حاك حدودها الموت منذ أمد سحيق .. مملكة الفراعنة امتزجت فيها عظام السادة والعبيد ، عظام إغريقية أحتفل بها الدود في ولائم ليست هامشية ، صينيون .. رومان .. فرس .. تناوشت أبراجهم النجوم ثم انكفأت تتسابق إنحداراً تحت الأرض .. وقضى فرعون زمنه بانياً بالجماجم أبراجاً في شوارع بلا أرصفة لعله يدرك بعينيه ما لايدرك ، تسابق الرعاع تحت قدميه ، إنصهروا في أنهار دم وعرق وأكداس عظام نخرتها عبودية الإنسان للإنسان . وهمس له الحكماء : هباء ستذروه الريح كل هذهِ الأكداس ، فكون فرعون من جثثهم أرصفة بلون الدم … وكان الحكم للموت حين أدرك قول موسى : إن برجك يُبنى داخل القلب لا في شوارع أو عظام أو هوامش ! رسائل أركمتها دهور صمتي حتى تعتقت ، أفجرها أمام المرايا : – رسالة أولى : ﴿ أفَمَنْ يَمْشي على وجههِ أهدى أمّنْ يَمشي سَوياً على صراطً مستقيم ﴾. – أخرى : أخبروني رجاءً ألم ينتهِ (فرويد ) من إتلاف حيامني كي أفرغ لحظة قبل الممات ؟ – رسالة ثالثة : أزف إليكم البشرى إن ( ماركس ) نجح في إحراق الطلع ليرتقي على أكتافنا الرعاع ! رسائل لو فجرتها أمام المرايا لقامت حضارة صبت قوالبها في مظاريف رسائل عصرية هي آخر ما أنتجته من قنابل موقوتة . الشوارع متن الحضارة – هوامشها الأرصفة . نساء ترعرعن تحت ظلال وارفة ، إنتشين مطمئنات فولدن تواريخ من نور وحين كنّ يرجلن جدائلهن على مهل غير عصري ، أنتبه إليهن الطائشون … إقتحموا عليهن خلوتهن بلا ينبغي البذل إلا في المتون … ألقى بعضهم تحت شرفاتهن قصائد غزل في السيقان والخدود ، تغلغل بعضهم فكرهن بدعوى حتمية الظهور ، التمس بعضهم حريتهن فالتمسوهن … إقتحموا عليهن أغانيهن ، ملابسهن ، طفولتهن فاستلقين على موائد نخرة أطباقاً من عسل مصفى للجميع ، إنتشرت قطراته حلوة دبقة على المسرح ، في التلفاز ، بين كتب صفراء … الكل تخيلهن يرقصن طرباً إلا إنهن في الحقيقة يرقصن مذبوحات من الألم !. خطى مرتبكة تطوف بي من متون إلى أرصفة ، من قاعات إحتفال إلى شوارع بلا هوامش في غفلة منها إرتشفت من معين القلب : * الحشر رقصة للأحياء لا للموتى * فلم أدرك مايقول … * لاتكن ظلاً إن لم تكن أصلاً * ففشلت كذلك ولم أكن … * أضمم عينيك إلى قلبك * فضممت حرف العين من أسمي حتى تفرعنت ، فقال أفتحها إذن ، فانكسرت العين لتندلق منها مقلاً ملئت الشوارع والأرصفة ، ركلها بعضهم ككرات ، اقتناها بعضهم تحفاً في المتاجر والبيوت ، واتخذتها الأيدلوجيات أواني للجنس والأفيون والإيدز … التهم الكل منها في وجبات إفطارهم السريع فتمزقت فحوى العلاقة بين الشمس والعيون … عقلني كجملٍ أجرب اللامعقول ، استجديت على الأرصفة لاجدوى ، ولم أنتهِ بعد من البحث في اللامحسوس … أفرُّ من قبضة ( الانتربول ) من زنزانة اللاءات أختبئ في المعنى ، ارتشف من أصابعه اليقين … أقتات عسلاً ولبناً وخمراً مصفى فتفزعني صفارة الإنذار ، تحيط بي عصيهم الكهربية ، فمنذ البدء كان ( داروين ) قد قذفني قرداً في قفص الإتهام … أوقفني دستور ما في دائرة ( اللامعقول ) حكم عليَّ أحدهم ( باللاجدوى ) ثم إنتهى الأمر كله إلى ( اللامحسوس ) … وحيداً أتقلب بين المتون والأرصفة ، أردم الدروب كلها توحداً في الصراط المستقيم وحيداً أموت … وحيداً سأبعث شئتُ هذا أم أبيت .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *