حبٌّ وحرب .. قصة مسلسلة (الحلقة الأولى : نبضٌ ليس بالحسبان)

by wisam-mo | 5 يناير, 2016 10:49 م

شعاعٌ عجيب ذاك الذي أبرقت به عيناها ليتوقف به نبض الزمن على عتبة القلب الذي غلّفتُه بجدارٍ عازل فحسبته عصيّاً على الاختراق…
ما كنت لأصدّق ما حصل… فلم يكن الموقف يسمح بفتح أبواب القلب مشرعة للحب…
كنت إذ ذاك واقفاً في ظلِّ الدبابة التي كُلِّفت بإدارة أمورها مع العديد من الجنود حيث تمّ نقلي إلى حمص بعد أن أبليتُ بلاءً حسناً في درعا..
كانت الدبابة داخل السكن الجامعي … استغربت ذلك في بداية مجيئي إلى حمص… فقد يتسبب وجود الدبابات هنا بالكثير من الخوف والقلق عند الطلبة …. لكنّ ما سمعته من زملائي عن الاعتداءات التي قام بها المسلّحون على الحرم الجامعي والسكن الجامعي جعلني أؤمن بضرورة وجودنا هناك لحماية الطلبة من نيرانهم…


حكى لي أحد الجنود أن الأشهر الماضية قد شهدت أحداثاً جمّة تسببت بعزوف الكثير من الطلبة عن الدراسة … فقد تمّ إطلاق القذائف من حيّ بابا عمرو المقابل للسكن الجامعي باتجاه الأبنية السكنية الطلابية .. مما اضطر قوى الأمن والجيش بالتدخل حيث اضطروا لإخلاء الطوابق العالية وحجز الطلبة في مكان أكثر أمناً ريثما تم التصدي لضرباتهم ثم تم إخلاء السكن في اليوم التالي حفاظاً على حياة الطلبة…
وحكى لي آخر حكاية الطالبة التي أصابتها رصاصة طائشة وهي تقف على باب كلية الهندسة المعمارية حيث الشارع المؤدي إلى مناطق يتجمع فيها مسلحون كان مكشوفاً… اخترقت الرصاصة ساقها اليمنى لتخرج من ساقها اليسرى … وبالكاد استطاعت إدارة الجامعة إسعافها بعد أن مرّ وقت غير قليل وهي غارقة بدمائها دون أن يجرؤ أحد بالاقتراب…
قصص وحكايا سمعتها من زملائي بعد مجيئي إلى هنا … جعلتني أشعر أنني قدمت إلى مدينة الأساطير… أو مدينة من مدن الرعب الهوليوودية ….
رغم كل ماسمعت لم يعرف الخوف إلى قلبي طريقاً … فلطالما كان إيماني بالله وقضائه شديداً … ولطالما رددتُ قول الشاعر:
من لم يمت بالسيف مات بغيره ….
وقفتُ في الظلّ أتأمل الأبنية السكنية الطلابية الجديدة…أبنية أنيقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى..
نوافذ واسعة تطلّ على الساحة التي أقف فيها في ظلّ دبّابتي..
أنوارها التي تضيء متتابعة مع بداية هبوط الظلام تبدو كما أنوار لاس فيغاس الملفتة.. أخذني المشهد بعيداً وأنا أراقب هذه الأضواء المنبعثة من نوافذ الغرف النابضة خلفها..
أتبعتُ بصري شعاع النور الذي ينطلق من نافذةٍ تلو الأخرى، ليظهر من ورائها سقف الغرفة أو حائطها حسب علوّ الطابق الذي تقع فيه الغرفة..
وفي غمرة هذا الانبهار البصري بالمشهد، أضاءت تلك النافذة.. أدرتُ بصري نحوها فلم أرَ سقف الغرفة ولا حائطها.. ولكن بدا من خلفه بدرٌ لا كالبدور..
وجهٌ حنطيٌّ مضمّخٌ بالشباب الذي يعلو عبقاً على الوجنتين لينعكس احمراراً على شفتين مرسومتين بمداد فنّان.. وعينان تبرقان بلون الشهد الممزوج بلون عشب الربيع في خارطة لونية لم تخطئ سهامها الشغاف.. بينما عَكَس الضوء لمعان شعرها كما تنعكس أشعة الشمس عن سنابل القمح في مواسم الحصاد..
تسمّرت عيناي بتلك النافذة، فما عدت أتابع انبعاث الأنوار من النوافذ الأخرى، فما من نورٍ مُلفِتٍ بعد نورها..
أخذَتْ تتأمّل مشهد الجنود والمعدّات العسكرية التي تملأ الساحة، وإذ ببصرها يتوقف على امتداد عينيّ..
ماكنت أدري إن كانت قد وجدَتْ فيهما ما وجَدْتُ في عينيها، أو أنها نظرات تساؤل عن سرّ تسمّري في مكاني شاخصاً إليها، أو أنها نظرات خوفٍ من هذا الجنديّ الذي يتأملها..
لكن ماحدث لاحقاً جعلني أعرف أن عناق عيوننا لم يكن وهماً..
لم يقطع هذا العناق إلا اكتمال هبوط الظلام..فلم أعد مرئيّاً بالنسبة لها، بينما بقيت عيناي متسمّرتين بعينين تبحثان في الظلمة علّها تصل إلى الطيف الذي يعانق نظراتها…
ما أمال بصري عنها إلا ابتعادها عن النافذة..
“يتبع في الحلقة القادمة”

Source URL: https://kfarbou-magazine.com/issue/9954