الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

الإنسان

 

 

 

5546866

 

البارحة تكلمنا عن المبادرة عن المواقف النبيلة التي تأسس حياتنا وتجعل لها معنى … عندما يغادر الإنسان فلا يترك وراءه إلا هذه المواقف، فالحياة وقفة عز ونُبل. والخبرة الحياتية تؤكد هذا القول، لأننا عندما نتحدث عن الغير ننسى ما حققوه من غنى ومجد ولا نذكر إلاَ المواقف الإنسانية النبيلة التي حققوها في حياتهم .

وحديثي معكم اليوم سيكون عن هدية هذا الإنسان الذي نطالبه بالعطاء والحب والمبادرة والحنان والرافة والمسؤولية، سنتحدث عن هذا المخلوق الواعي الحكيم الكبير، السيد الذي قال عنه بولس الرسول من هو الإنسان حتى تذكره وابن الإنسان حتى تفتقده، هو عشبة تذوي، انقصته قليلاً عن الملائكة 0 وضعت كل شيء بين يديه وعلى كلّ أعمال يديك سلطته ..

هذا الإنسان الجبار الذي يعتقد لفترة بأنه سيد هذا الوجود بدون منازع ولكنه يكتشف بأنه في الزمن ظل سريع الذوبان ، يبني القصور الذهبية ويعود ليكتشف بان قصوره تشبه إلى حد كبير قصور الأطفال الصغار التي تبنيها بالرمال على شاطىء البحر وتأتي موجة صغيرة فتهدم كل ما بناه …

تعالوا نغوص في اعماق هذا الإنسان ونبحث معه عن الأهداف التي يريد أن يحققها في حياته عن الحنين المغروس في قلبه وروحه .

نرى في قلب وروح كل انسان حقائق ثلاث، الحياة والحقيقة والحب ..

فالحنين الأول الراسخ عميقاً في قلب الإنسان هو الحنين إلى الحياة … هو آخر ما نتخلى عنه مما نملك، نتخلى بسهولة أو صعوبة عن الألقاب والأفراح والغنى والسلطة والمطامح شرط أن نستطيع المحافظة على هذا الخير الأوحد، إن الغريزة عينها التي تدفع بالإنسان ليمد يده عندما يسير في الظلمة تثبت أنه يفضل أن يخسر عضواً من أن يخاطر بما يعتبره الأثمن وهو حياته …

والحنين الأساسي الثاني هو ابتغاء الحقيقة. وكان أول سؤال تردد على شفاهنا منذ نعومة أظفارنا لماذا ؟ يدل هذا السؤال على أننا نولد فلاسفة. وهذه اللماذا تكبر كلما تقدمنا في العمر.. لماذا ؟ لاحظوا صغاركم كم يطرحون من الأسئلة عليكم وغالباً ما نمّل من هذه الأسئلة فهم يبغون معرفة الكثير من الحقائق الناقصة وحتى الألعاب التي نبتاعها لهم فهم يمزقوها ليكتشفوا كيف تتحرك. نبدأ بتمزيق لعبنا ونحن صغار وأخيراً نحاول أن نمزق هذه اللعبة التي هي الكون فنقف أمام الشمس طالبين منها أن تفشي أسرارها ونسأل النجوم أن تقول لنا تاريخ اشعاعها، والمحيط أن يطلعنا على سر حجمه، نحاول أن نكتشف ونتعرف على كل ما يحيط بنا لأننا لا نطيق أن يظل شيء خفياً عنّا .

والحنين الثالث هو الرغبة في أن نحب ونُحب فكل ولد يلج هذا العالم يبادر بصورة غريزية إلى صدر أُمه شهادة على المحبة. وفيما بعد يتجه اليها ليضمد جراحه ويكفكف دوموعه. وعندما يكبر هذا الطفل ويصبح رجلاً يبحث عن رفيق له من عمره. يستطيع ان يكشف له مكنونات قلبه. ثم يبحث عن رفيقة العمر فيوطد الزواج الحب بين الزوجين ويظهر الولد ليولد ثالوثاً أرضياً. ويصبح حب الوالدين حب الجدين للأحفاد وهكذا تتواى الحاجة إلى المحبة من المهد إلى اللحد ..

نحن نتوق إلى الحياة والحقيقة والحب . ولكن هل نجدها على أتمّها في هذه الدنيا؟ هل لدينا العزم والقوة والإمكانية لأن نحقق إلى أقصى حد ما فينا من حنين اليها؟ هل نستطيع أن نتحكم بمصيرنا؟ إننا نمتلك جزءاً من الحياة والحقيقة والمحبة ولكن هل نملكها بكليتها؟ من المؤكد أن الحياة ليست كلها تحت سيطرتنا. فسرعان ما ينفذ النجاح وتتقلص الشهرة وتُنسى. ولا يلبث علم عصر أن يتجاوزه علم عصر آخر. ولا يتوافق ذوق جيل مع الجيل التالي، وكل تكتة ساعة تقرّبنا من القبر، وقلوبنا طبولٌ مغلقة تدق لحن الحزن في طريقنا إلى اللحد …

وهل نملك الحقيقة بتمامها، كلما ازددنا درساً نقصنا معرفةً، وقلّ ادعاؤنا المعرفة، والعالم الذي يسخّركل حياته للعلم والتفتيش يصل إلى نقطة بأنه لا يعرف شيئاً … طالب البكالوريا يعتقد بأنه موسوعة للمعارف .. وعندما ينهي الدراسة الجامعية يرى نفسه أصغر مما كان في البكالوريا وإذ يكمل الدكتوراه يكتشف بأنه أمام بحر من العلم لا يفقه منه إلى القليل وكذلك الباحث ومن منّا لا يعرف ما قاله نيوتن .. إني على شاطىء أمامه محيط الحقيقة اللامتناهية وبالكاد بللت اصبعي في هذا المحيط …

وأخيراً الحب في كماله لا يوجد في هذا العالم .. القلوب المنسحقة والأرامل الشابات والمطلقات.. الأيتام .. الخيانات الزجية.. الخيانات بين الأصدقاء.. نكوّن علاقات دافئة وحميمة وتتلاشى …

عبثاً نصبح يا إخوتي أسياد هذا الكون فكل الرغبات التي نحملها في صدورنا لا تتحقق على هذه الأرض، إن الحياة تمتزج بالموت والحقيقة بالضلال والحب بالحقد، فلا يمكن أن توجد الحياة مع الموت والحقيقة مع الضلال والحب مع الحقد …

أين نجد مصدر هذه الحقائق الثلاث؟ أين نجد صانع الوجود والحق- وهذا الحب النابض في كل الخليقة .. أليس لها مصدر؟ وإذا لم يكن لها مصدر فكيف يمكن أن توجد .

إذا وددت أن أجد مصدر هذه الحياة والحقيقة والمحبة المنتشرة كلها في العالم على أن أتوجه إلى حياة تمتزج بظلال الموت وحقيقة لا يخالطها ضلال ومحبة لا يشوبها حقد .. عليّ أن أذهب بعيداً عن حدود هذا الالم .. نحو ذاك الذي هو الحياة الصرف والحق الصرف والحب الصرف ..

أجل يا إخوتي الله هو المرجع الأول والأخير لهذه الحقائق، وبدون هذه المرجعية فلا معنى لوجودها ووجود الإنسان ..

إنه الحياة التي تمتلكها والحق الذي بحث عنه الإنسان في كل زمان ومكان وهو الحب الذي يريد ويحب الخير دائماً .

من منّا ينسى الأمثولة الاولى في التعليم المسيحي لماذا خلقنا الله لكي نعرفه ونحبّه ونعبده في هذا العالم ولكي نكون معه سعداء في السماء إلى الأبد ..

غالباً ما نزبد ونثور ونرفض إذا أُمتحنا في موت صديق وخيانة زوجة وصديق وذلك لأننا نعتقد بأن الحياة كاملة والحب كامل.. طالما نحن نعيش في العالم فلا بدّ من العثرات والثغرات لأننا لا نعيش الكمال ولا نملك إلاّ جزءاً منه ومن هنا ..

سألني أحدهم …………….

يا إخوتي ربما نعيش اليوم في عصر العلم والنور والإنسان كما سبق وقلنا نعم على صورة الله ومثاله وعلى كل أعمال يديه سلطه ومع الله يحقق عظمته وسيادته وكبريائه إنما بدون الله فهو يعيد مأساة آدم ويكرر خطيئة برج بابل …

فمهما انحزينا ومهما ابتعدنا فهو لنا دائماً بالمرصاد يلاحقنا …

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *