حديث الذكريات
كانت جلساتنا العائلية في بيتنا العربي القديم ,حيث نرشف القهوة. وتظللنا كرمة سبيعية العطاء, تعانقها عراتلية مع ياسمينة يملئ أريجها المكان , تقابلها شجرة نارنج دائمة الخضرة والألوان, وحولها بحيرة متواضعة بعض الشيء كنا نجتمع.
قالت والدتي: أتذكر يوم كنت طفلاً كيف تسمرت فزعاً عند هذه الشجرة حين حلقت طائرة /الكرتون/ فوقنا ؟ )هي طائرة شراعية لكن لونها كان أصفر يقال عنها في تلك الأيام طائرة /كرتونية/ لاختلافها في الشكل والألوان عن الطائرات الحربية ).
وهل تذكر كيف ارتعبت وتغير لون وجهك من الخوف ؟أجبتها: بل أذكر, وأذكر كيف سحبتني من يدي مسرعة بي إلى البيت المقابل عند الحجة أم محمود . وكيف دخلنا البيت دون أن تطرقي الباب . قالت والدتي :لقد كانت طبيعة العلاقات بيننا أكثر من أخوية.
لقد حكت والدتي لأم محمود ما حصل , فسارعت أم محمود إلى الكتيبة وتناولت من هناك بيدها المرتجفة طاسة نحاسية وملأتها ببعض الماء وراحت تتمتم وتقرأ عليها ثم ناولتني إياها للشرب, وأشربتني ثلاث دفعات متتالية منها , نظرت للطاسة وأنا أشرب وجدت الماء بالداخل يتلألأ كحبات اللؤلؤ كما أن حواف الطاسة ممتلئ بالكتابات والآيات القرانية. كانت تسقيني الماء ويدها على رأسي تحاول تهدئة روعي وتقول :لا تخف باذن الله سيكون كل شيء بخير.
سألت والدتي عن سبب هذه العلاقة الحميمة بينها وبين أم محمود , قالت أمي :إن الحجة
تعتبركم مثل أولادها لأن والدك كان قد رضع منها و هو صغير فلهذا الأمر هي تحبكم و تعطف عليكم و تعتبركم مثل أبنائها .
لأن أي طفل رضع من امرأة ما عدة رضعات أصبح بحكم الرضاعة أحد أولادها . كذلك أنا أرضعت ثلاثة أخوة لك عندما كنت صغير ترضع ، و تتم إرضاع الطفل من أم غير أمه عندما تكون والدته إما مريضة أو يكون حلبيها قليل أو لظروف أخرى مختلفة ، و كان إرضاع الطفل يعتبر مفخرة و شرف كبير .
هكذا كانت العلاقات الاجتماعية في أحيائنا الشعبية تعكس قوة الروابط الاجتماعية و تداخلها و كيف كانت المحبة تآخي الجميع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ