الاثنين 1يناير 2024: هيئة التحرير وادارة موقع المجلة تبارك للجميع بحلول عام جديد متمنين لكم عاما مليئا بالخير والمحبة راجين من الله أن يعم السلام كل سورية ودمتم بخير ..  * 

صورٌ .. ونوادر ..وطُرف.. في حياة وجيه البارودي «2-2»

cu007

 

ثقافة
الاثنين 4-6- 2007
مظهر الشاغوري

كان وجيه مولعاً بالأصوات الجميلة ،

لايحرم نفسه من الاستمتاع بجلسات الألحان والغناء .. يحب من الأصوات صوت المطرب محمد عبد الوهاب . حصلت مرة على شريط تسجيلي ، وفيه يعزف الأستاذ ظافر إمام ويغني أغنية عبد الوهاب الشهيرة «مين عذبك؟» ويدندن معه الدكتور طرباً .. وفي إحدى قاعات نقابة المعلمين ، بعد أمسية الشاعر «عمر أبو ريشة» كنا أمام التلفزيون ، وبانتظار مقابلة تلفزيونية مع الشاعر وجيه وكان يغني «عبد الحليم حافظ» أغنية «حبّك نار» .. وصادف أن المطرب- ولسوء حظه- كان في المقطع الذي يردد فيه كلمة «نار» في إطالة وإعادة وامتداد بلغ به «الطريقة الأوبرالية» فالتفت إليّ وجيه وسألني: من هذا؟ فقلت: إنه عبد الحليم حافظ وقد مات فقال: «يضرب بعينه .. منيح إلي مات».. زارني مرة صديق وشاعر عرفته في المركز الثقافي بدمشق، اسمه «أحمد مخلوف- أبو علي» وهو من بلدة «دير ماما» وقال لي إنه بشغفٍ شديد لرؤية وجيه الذي عرفه وجلس معه أكثر من مرة منذ زمن بعيد ، فاصطحبته لعيادته في شارع «8آذار» وأول ماوصلنا قال له وجيه «قعود هون» مشيراً إلى كرسي العيادة. فقلت له: إن الرجل ليس مريضاً ، فهو يعرفك وأحب أن يزورك وجلسنا ، وأبو علي يتحدث إليه عن أيام التقيا فيها الشاعر «الصافي النجفي» ووجيه لم يتذكر شيئاً مما يقول .. وتركنا وعاد بصورة «لميادة الحناوي» قرّبها منه وسأله من هذه؟ فقال أبو علي: لاأعرف .. فامتعض وجيه ،وقال له محتداً: تتحدث عن الشعر والشعراء ، ولاتعرف من هذه؟.. فحسمت الأمر بقولي لأبي علي : إنها المطربة الشهيرة ميادة وهي صديقة للدكتور …. وودع وجيه الرجل إلى الباب يقول له: أنا مستعد أن أستقبل كل من عندك من مرضى… ولاأنسى تلك الجلسة بعد الأمسية التي قدمها الشاعر الراحل«عمر أبو ريشة في صالة نقابة المعلمين» حيث دعي ونخبة من شعراء حماة إلى حفل عشاء وهناك أحب أحد الشعراء وأعتقد أنه الشاعر سعيد قندقجي- أن يداعب وجيهاً فقال لأبي ريشة: استلمه … لقد جئناك به فهمس بهم وجيه «استرونا ياجماعة» فما كان من أبي ريشة إلا أن أصدر ضحكة عميقة .. ذلك أن وجيهاً كان قد ذكر في إحدى قصائده التي وصل فيها قمة التباهي والافتخار بشاعريته مامعناه أن أبا ريشة لايستطيع أن يجاريه ويلقاه في ميدان الشعر وبحور القوافي .. وما اختياره لهذا الشاعر بالذات إلا من باب الاعتراف به شاعراً كبيراً .. واستمرت الجلسة بأشعار يستمع إليها أبو ريشة من شعراء حماة الذين أذكر منهم عدا عن وجيه البارودي ، سعيد قندقجي ومنذر لطفي وعدنان قيطاز وغيرهم من الشعراء … وكانت جلسة وأمسية شعرية لاتنسى. نقلوا للشاعر البارودي مرة خبر وفاة طبيب هنا ،فلم يبال كثيراً بما سمع بل أجاب «بيستاهل» وحين سألوه مستغربين عدم تأثره بالنبأ قال «لأنه لايرقص » .. وهو بذلك يعني رقص الروح والنفس لارقص الجسد، ذلك أن الطبيب الراحل أمضى عمره لايعرف وجهه البسمة … يحرم نفسه من متع الحياة .. وهذا مالايرتضيه وجيه لالنفسه ولا لغيره .. وهو الذي خاض الحياة ووقف في ميادينها فارساً عنيداً ، مغامراً… عاشقاً لايعرف الاستسلام يتحدى الزمن، ويصارع الأيام، فكان في السبعين ابن العشرين وفي الثمانين ابن الثلاثين. آخر مرة شاهدت فيها شاعرنا وطبيبنا «رحمه الله» يجلس وراء واجهة زجاجية لمطعم حلويات في ساحة العاصي، وقد ساء بصره كثيراً .. وكأنه في جلسة وداعية لأهل بلدته الذين سخّر طبّه لهم .. وأفنى عمره معهم… يتحسّس آلامهم، فأراد أن يبقى بينهم… يتلمّس على الرصيف وقع أقدامهم وفي الأيام الأخيرة. تلك بعض مواقف وصور في حياة وجيه البارودي الشاعر ، والطبيب الإنسان .. أما شعره فصبّ فيه فلسفته الخاصة وقناعاته الذاتية التي يصعب عليك أن تجادله فيها .. وسخّره صوتاً عالياً مدويّاً في محراب العشق الذي لازمن يوقفه ، ولانهاية تختمه… وأما طبّه فكان للناس كل الناس من الفقراء والبؤساء الذين يقصدونه … وحين يمدون أيديهم لجيوبهم يمسك بها، ويربّت على أكتافهم .. هذا عدا عمن يقصدهم هو ، ويعالجهم في بيوتهم ولايخرج قبل أن يضع ماتيسر من نقود تحت مخدات أسرّتهم.. ماجعل بعض المغرضين والحسّاد والمناوئين يشيعون أنه مصاب بنوع من الجنون ، فأي جنون يقصدون ..؟ هل الجنون في أنه لم يعبأ أو يلتفت مثلهم لجمع المال وتكديسه؟ وهو الذي قامت بينه وبين المال عداوة أبدية .. وكل مافعله أنه كسر الطوق .. وشذّ عن قاعدة عشق المال أبدية. فما أبشع العقل إن جعل من المادة والمال صنماً يقدّس ، وإلهاً يُعبد.. وماأجمل الجنون إن تحوّل إلى أغراض إنسانية… وأفعال خيرية .. وسخّر لخدمة البشرية وأما المغرضون ، فياليتهم أصيبوا بما به أصيب… وياليت صوتهم وصل مثل صوته في الطب والحب.. والعمل الانساني الكبير ،حتى غدا أسطورة يتغنى الناس بها..وبكل مافيها من عجيب وغريب .‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *