ممّن أخاف…؟
بسم الآب و الإبن و الروح القدس إله واحد آمين
أعجبني قول للقديس يوحنا الذهبي الفم في إحدى مواعظهِ تحت عنوان / ممن أخاف / و ذلك نقلا” عن كتاب خطيب الكنيسة الأعظم القديس يوحنا الذهبي الفم للأب الياس كويتر المخلصي / ص 182 / , إذ يقول القديس:
(إنّ الأمواج لعارمة و العاصفة تزمجر , إلا أنّا لا نخشى الغرق , إنّا لمنتصبون على صخرٍ , ما اهتاج البحرُ و أزبد , فلن يفُتّ ذلك الصخر , ما تتعال الأمواج , لا يسعها أن تبتلع سفينة يسوع , ممّن نخاف , قولوا لي ؟ من الموت ؟ (حياتي هي المسيح و الموت ربحٌ لي ) , من النفي؟ (للربِّ الأرض و ملؤها ) , من اغتصاب الأموال ؟ (إنّا لم ندخل العالم بشيْ , و من البيِّن أننا لا نخرج منه بشيء ), هَول العالم بالاستهزاء أجبهُهُ , أما أمواله فأحتقرها , لا يخيفني الفقر , و الثروة لا أشتهيها , لا أرهب الموت , لا أطلب الحياة…)
بداية” أقول للجميع صوم ميلاد مبارك… متمنيا” من ربنا له المجد أن يغمركم بمحبته و عطفه و حنانه0
هل المطلوب مني أن أصوم؟ و لماذا الصوم؟ بل كيف هو الصوم الحقيقي؟ من أين ستأتيك القوة لكي تضبط ميولك و أهوائك…؟
نعم الصوم مطلوب لفائدة كل واحد منا , فيسوع ليس بحاجة إلى صومنا و صلاتنا بل نحن بحاجة إليه , كمثل الأب و الإبن , إذ يتمنى الأب أن يأتي إليه ولده و يُسمعه كلمةًًََََ طيبةً… و قد شرح يسوع ذلك في مثل الإبن الضال لوقا(15:11-32) و الخروف الضائع في لوقا(15:1-7) و متى (18:12-14)…
نعم المطلوب مني أن أصوم …الصوم ليس فقط أن تمتنع عن الطعام أو تأكل الأكل النباتي بل أن تمتنع عن أكل أي طعام تحبه نفسك و لو جزئيا” … المطلوب منك أن تدّرب جسدك و نفسك على الصوم… فمثلا” أنا أشعر بخمول عندما لا آكل اللحم … طبعا” في الصوم لأول مرة ستجد صعوبة” إذ امتنعت عن أكل اللحم , لذلك امتنع جزئيا” (هذا برأيي) عن ذلك عن طريق:
1– تخفيف كمية الوجبة
2– تخفيف عدد الوجبات اليومية أو الأسبوعية
و لا ننسى الصلاة لأن الصوم لا يكون بدون صلاة و لا ننسى الفقير و العمل الصالح , فهما متلازمان , إذ يقول الرب بالصوم و الصلاة يخرج الشيطان…
و أيضا” الصوم لا يعني أن آكل ما أحب من المأكولات النباتية بل يكون ذلك بشكل جزئي نوعا” ما , فالبعض يأكل إلى حد التخمة و هذا ليس صوما” فمثلا”:
كلنا يحب البطاطا المقلية و خاصةً الكفرباوية و المزروعة بدون أدوية و أسمدة كيماوية, و بجانبها صحن كبير من خضروات كفربو الطازجة (خس-بقدونس- نعنع-فجل-زعتر-رشاد- شرائح الليمون…) مع كتشب و بهارات و خبز تنور من حبوب بلدتي…
هذا لا يعني أن أفتح معدتي و آكل /2/ رغيف مثلا” بل أن يكون أكلي قليل نوعا” ما مع الصلاة قبل الطعام قائلا”/ أعن الكُل إياك نترجى و أنت تُعطينا طعامنا في حينه, تملأ يدك فيمتلئ الكل خيرا” و سرورا” و الكلُ إليك يرجعون , يا رب بارك مأكل و مشرب عبيدك و قدسه على اسم الآب و الإبن و الروح القدس آمين. / مع شكري للرب قائلا” له بعد انتهائي من الطعام / نشكرك أيها المسيح الإله ,يا من أشبعتنا من خيراتك الأرضية فلا تحرمنا من ملكوتك السماوي آمين/ …
الصوم و الصلاة هما السيف و الترس من أجل المحافظة على الحياة الأبدية… بل كيف سأنظر بعين الرحمة إلى الناس…و كيف سأضبط أفكاري تجاه أفكار الظن و الشك و اتهام الآخرين بدون أدنى دليل…
بعضهم يقول إن الصوم هو صوم اللسان فقط بدون الطعام … أقول: صحيح كلامك لأن من فضلة القلب يتكلم اللسان , و لكن هذا هو من ثمار ضبط الجسد… فكيف سأضبط لساني تجاه من يهينني بالكلام الجارح , إ ن لم أكن متدربا” على الصمت… فالرهبان و كلنا رهبان يصومون عن الكلام في فترة الصوم خاصة” , و يلتجؤون إلى أماكن الهدوء… إذ لا يمكنك أن تسمع صوت الله إلا بالصمت…
و هنا تذكرت زيارتي مع أحد أصدقائي المقربين ,و بالطبع مع العائلة و الأولاد إلى دير القديس موسى الحبشي (شرق منطقة النبك ) – أنصح الجميع بزيارته – حيث عشنا بين الرهبان يومان من العمر سمعت خلالها صوت الصمت , و شاهدت بعينيّ حياة القداسة , و أحسست بمعنى القرب من الله…
بشكل مختصر : كيف سأعيش بحرية حقيقية إذا لم أضبط أفكاري و حواسي… إن ضبط الحواس يعني أنني حر و لا شيء يقيدني… و لم أعد بعد عبدا” للشهوات…
فمثلا” : عندما لا أستطيع أن أبتعد عن التدخين فأنا عبدٌ له … أو بالأحرى أنني لم أستطع بعد أن أضبط حواسي… و لا يمكن ترك التدخين إلا بواسطة الاتكال على يسوع له المجد , الذي صام أربعين يوما” و أربعين ليلة” بدون طعام أو شراب …
صام لكي يعلمنا فوائد الصيام و كيف انتصر على الشيطان في نهاية الأمر…و ذلك في متى (4:1-11) مرقس(1:12-13) لوقا(4:1-13)…
فأنا كنت مدخنا” لمدة /7/ سنوات تقريبا” و لم أترك أي نوع من التدخين إلا و جرّبته , فقد كُنتُ شغُوفا” جدا” بالسيكارة لدرجة أنني كنتُ أجيب أهلي عندما كانت يطلبون مني أن أترك التدخين بقولي : ((هذه –السيكارة- صديقتي و لا أستطيع أن أبتعد عنها أبدا”))…
و لكنني استعطت الانتصار على التدخين بمساعدة يسوع له المجد آمين0
المسيحية هي كلٌ متكامل فالذي يخالف أحد الوصايا فقد خالف كل الوصايا , فالذي لا يكرم أباه و أمه فهو مُستعدٌ لأن يكذب و يسرق و …
إن الكثير من الناس لا يحبون الأحاديث الدينية و يقولون لك : دعنا و الدين جانبا”…
أنا أعذرهم في ذلك , فقد كنتُ مثلهم لا أحُب هكذا أحاديث, حقيقة” لأن مثل هذه الأحاديث تنفذ إلى الصميم, و تحاول أن تقتل الأنا التي في داخل كل إنسان…أو بالأحرى تحاول لجم الأهواء و الشهوات… لذلك من الطبيعي أن تكون هنالك من مقاومة , و ذلك مثلما يحدث معك عندما تحاول أن ترشد لصا” إلى طريق الحق و الصلاح000
إن الروح كالجسد بحاجة إلى غذاء … فغذاء الجسد هو الصوم(إضافة” إلى الطعام) و غذاء الروح هي الصلاة…هذه كلها تتحد ضمن باقة من الأزهار الكفرباوية الجميلة تتلخص بما يلي:
1– حضور القداس الإلهي أسبوعيا” و مناولة القربان المقدس بعد الاستعداد لذلك بشكل جيد
2– قراءة الكتب المقدسة و أهمها الإنجيل المقدس و لو /5/ دقيقة يوميا”
3– الصلوات اليومية و خصوصا” قبل و بعد النوم
4– أعمال البر و الإحسان …
نحن بحاجة إلى بعضنا البعض و لا يستهن أحد بقدرات أخيه الإنسان … فكلنا أعضاء في جسد واحد ألا و هو المسيح … فلكل عضو وظيفته الخاصة و التي تُكّمل عمل الآخر… فالقلب لا يعمل بدون الكليتين أو الكبد أو المعدة… و الجزء يكمل الكل…
عندما سُئل يسوع في حادثة شفاء الأعمى : من أخطأ هذا أم أبواه ؟ أجاب يسوع : لا هذا و لا أبواه و لكن لتظهر مشيئة الله فيه … يوحنا (9:1-37)0
فالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة هم ضروريون للمجتمع…تقول لي كيف يكون ذلك ؟أقول : نعم هم ضروريون .. و هاك واحدة” : لو لم يكن من أعمى على الأرض فكيف سيشفي يسوع الأعمى… و ثانية” : حالة هؤلاء هي مدرسة للآخرين من حيث شكرهم لله على ما هم فيه من صحة و عافية…إضافة” إلى أن معظم ذوي الاحتياجات الخاصة قد وهبهم الله عطايا و ذلك تعويضا” عن نقصهم في الأخرى…
تقول لي و ما ذنب أهله في تحمل متاعب ذوي الاحتياجات الخاصة؟
أقول : إن الله له المجد لا يعطي إلا الخير … فبمقابل ذلك يعطيهم الله نِعَم كثيرة … فهم صليب في حياة هؤلاء … علما” بأن لكل إنسان على الأرض مهما كان و أيا” كان و مهما كانت مكانته و رتبته لديه صليب في الحياة أي عنده معاناة دائمة… و ليس بالضرورة أن تبقى نفس المشكلة بل ممكن أن تتحول من شكل إلى آخر و لكن بالنتيجة لا راحة على الأرض و إن وجدت فهي مؤقتة…
فالصليب ممكن أن يكون أحد المقربين منك أو صديق أو ابن أو زوجة أو… يكون له مزاج خاص لا يوافق ميولك و تطلعاتك… أو يكون من ذوي الاحتياجات الخاصة , أو يكون عندك مشكلة مادية ,أو …
المهم هو أن لا نرفض الصليب بل أن نحتضنه بفرح متكلين على الرب يسوع المسيح له المجد , علما” أن الرب لا يحّمل الإنسان حِملا” لا يستطيع تحّمله…,لذلك إن الهروب من الصليب يؤدي بنا إلى محن أكثر… بل على العكس ,إن تّقبل الصلب بفرح نربح بركته و يتحول الصليب إلى صليب من نوع آخر أقل وطأة” … و لكنك أصبحت في مرحلة متقدمة من النمو الروحي…
أعتذر عن طول شرحي عن الصوم و الصلاة… و لكنني وجدت بأن أهمية و دقة المرحلة التي يمر بها بلدي الغالي سوريا تتطلب منا التقرب أكثر من الرب له المجد , و أن نصلي له بإيمان من أجل أن يُنهي هذه الأزمة عن أهل بلدي جميعا”…
مع شكري و تقديري لكل متتبعي المجلة .
كل الشكر ولأمثالك ممن يهتمون بالإنسان لمجرد كونه إنسان لاأحمر ولا أصفر إنسان فقط
فجسد الإنسان هو هيكل للرب وكم أتمنى أن تنتشر مثل هده القيم بيننا جميعا كبارا وصغار .
فالدين جزء أساسي في حياتنا ولكننا كما يقول المثل :نحن مثل الجمل الذي لايذكر الله إلا وقت الزلقة)